هذا المقال لايتناول شأناً خاصا، بل هو في صلب الشأن العام، فمع تخفيف الإجراءات الحكومية الخاصة بوباء كورونا يتجه العشرات من رجالات وشباب آل التل لإفتتتاح ديوانهم، والذي أغلق لأول مرة منذ مايزيد عن قرن من الزمن هي سنوات عمره، التي لم يغلق ابوابه خلالها يوماً واحداً، حتى في الحروب والكوارث كان الديوان يزداد نشاطاً، إما لإيواء المشردين أو لمعالجة الجرحى أو لإيواء الثوار وتخزين أسلحتهم حسب مقتضى الحال, لكنه إنصياعاً لسيادة القانون التي قضت بعدم التجمع وبالتباعد الاجتماعي أثناء جائحة كورونا تم إغلاق الديوان كممارسة حضارية، تؤكد أنه لا تضارب بين القانون والعشيرة,فمثلا انه لا احد اكبر من عشيرته،فانه لا عشيرة أكبر من وطنها،ولاعشيرةفوق القانون، وأنه لا تنافر ما بين معطيات المدنية وحداثتها والتمسك بتقاليد العشيرة, ولذلك ورغم أن عشيرة التل لم تخف من الحروب فلم تغلق ديوانها خلالها, لكنها فعلت ذلك اثناء جائحة كورونا احتراماً لسيادة القانون، وعندما أعلنت الحكومة عن تخفيف الإجراءات الخاصة بكورونا والذي سرى منذ بداية هذا الشهر أخذ ابناء عشيرة التل يناقشون سبل فتح ديوانهم مع الحفاظ على شروط السلامة العامة.
سيفتح ديوان آل التل وسيجلس الوزير والغفير والغني والفقير جنبا الى جنب لا فرق بينهما، إلا بمقدار ما يحترم أحدهما الآخر، وقد تربينا على أن يحترم الصغير الكبير بصرف النظر عن مكانته الاجتماعية او الوظيفية، كما تربينا على أن يرحم القوي منا الضعيف، وأن لا يستقوي على أحد من غير عشيرته لا بمنصبه ولا بعشيرته، ففي أعرافنا العشائرية ان التواضع عن قوة هو الذي يجعل الناس يحترمونك ويحبونك، وأن من يستقوي بعشيرته لظُلم غيره يسيء لنفسه قبل أن يسيء لمن يريد أن يظلمهم، لذلك ربتنا عشائرنا على قاعدة أنصر أخاك الظالم بردعه عن ظلمه، وهي قاعدة تتمسك بها العشائر الأصيلة والعريقة، وكل خروج عن عن هذه القاعدة والاستقواء بالعشيرة على القانون أو لتحصيل موقع وظيفي هو تصرف شاذ لا يقره السلوك العشائري الأصيل.
إن الكتابة عن ديوان آل التل ليست كتابة عن شأن خاصة لكنها كتابة عن مرفق عام، هو جزء أصيل من تاريخ الأردن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ففي جنبات هذا الديوان وساحته أنعقد المؤتمر الوطني الأردني الثالث عام 1930، وعلى وسائد هذا الديوان أستراح الملك المؤسس مراراً وتكراراً, وفي فناءات هذا الديوان وساحاته ناقش الشهيد وصفي التل والمرحوم أدريس التل ونعيم التل وغيرهم من أبناء العشيرة الكثير من القضايا الوطنية والقومية، التي سبقهم إليها علي نيازي وخلف محمد واحمد أبو صعب، وفي جنبات هذا الديوان ترعرع قائد معارك القدس عبدالله التل، وناقش مع مجموعة من أبناء عمومته الضباط والجنود مجريات الحرب في فلسطين وكيفية تطوير المساهمة فيها, وفي جنبات هذا الديوان ولدت الكثير من أفكار وقصائد شاعر الأردن بلا منازع عرار, وفيه تولدت الكثير من أفكار مقالات المرحوم حسن التل, ونوقشت الكثير من الطروحات الفكرية والتربوية للدكتور سعيد التل وكذلك للدكتور احمد يوسف التل أطال الله بأعمارهم، وغيرهم كثير ممن تزين واجهات المكتبات كتبهم من رجال ونساء آل التل، الذين ربتهم مضافتهم على أحترام الأصالة والأخذ بالنافع من الحداثة، كما ربتهم على قيم الاحترام والأنضباط والتواضع وأحترام الآخر، لذلك فقد آن اوآن أفتتاح ديوانهم ليعود لممارسة دوره في خدمة وطنه, ولنتذكر جميعاً أن العشيرة إطاراً اجتماعياً يُعلم التماسك والتواضع والاحترام وأوله احترام سيادة القانون وقبل ذلك الإنتماء للوطن والدفاع عنه والمساهمة في بنائه، وهذا هو الدور الحقيقي للعشيرة.