نيروز الإخبارية : كرّم منتدى البيت العربي الثقافي ضمن برنامجه "تكريم المبدعين" الشاعر الناقد نزار عوني اللبدي في احتفالية قدّم فيها الشاعر محمد خضير سيرة غيريّة تحدثت عن الشاعر المكرّم، فيما أدارت الشاعرة نبيلة حمد الاحتفال الذي أقيم في قاعة المنتدى وسط حشد واسع من المثقفين والمتابعين.
استهلت الشاعرة حمد الاحتفالية بالقول: "اليوم نحتفي بمن انتصر للشعر والشعراء، فوقف مُجالدا، منافحا عن روح القصيدة، وهو من علمنا بأن من لا يجيد إنشاد القصيدة العمودية؛ لا يعدّ شاعرا وإن صفقت له الجموع، واحتضنته المنابر، فلا بد من مكابدة قيود الخليل قبل الانفلات منها إلى فسحة شعر التفعيلة.. فكيف للمرء أن يتذوق طعم الحرية ولم يسبق له أن عانى ويلات الأسر؟!
ثم قرأ الشاعر محمد خضير على الجمهور رسالة كان أرسلها له المحتفى به، حين باشر الشاعر خضير بكتابة مقدمة "الأعمال غير الكاملة" للشاعر الناقد نزار عوني اللبدي، ومنها: "هذه الرسالة ليست للمعاتبة، إنَّما خطر ببالي أنني قد أموت أو أختفي في ظروف غامضة ذات يوم، وتكون أنت قد تفرغت، أو ربما فرغت للتعامل مع هذه الأمانة التي عندك، وصار هناك مجال للنشر، وأردت أن تخبرني أو تستأذنني للبدء في الموضوع، ولن تجدني حولك، أو قريبًا منك، فقلت أوفِّر عليك الحيرة، وأعطيك بهذه الرسالة الحق الكامل في النشر وكأنَّها أعمالك أنت، وحق التصرُّف في أي ريع أو دخل يمكن أن يتحصل منها، في حالة عدم وجودي حولك، أو قريبًا منك.
صحيح أنَّ مستواها الفنّى ربما لا يرقى لذائقة أصحابنا الشعراء والنقاد العالية المستوى، ولكنها كتابات شعرية تعبِّر عن صاحبها في سَرَّائه وضَرَّائه عبر العمر الذي تكبَّد عناء معاناته بحلوه ومُرِّه، فإن رأيتَ أن مستواها الفنّي لا يليق بأن تتولى أنت متابعة أمرها فانْسَ أمرها، فأنا العبد لله لم أسعَ يومًا إلى شهرةٍ وانتشار، وما حصلت عليه من كليهما كان بتوفيق من الله، دون أن أخصص من وقتي شيئًا ولو بسيطًا لذلك.. أقول لك يا محمد:
"وطـــنٌ أنا!
لي كبرياءُ الدمعِ، لي حزني المغيَّبُ في ابتساماتي
ولي فرحي بميلاد القصائد في قلوب المتعبينْ
وطــــنٌ أنا!
لا حدَّ لي غيرُ ابتدائي
أمتدُّ غاباتٍ من الأحزان تنْبُتُ من دمائي
وَسِعَتْ شقاء َ اللائذينَ بها وأغـْضَتْ عن شقائي
وطــــنٌ أنا!
لي أنهري، وظلالُ غاباتي، ولي بحري ورمل شواطئي،
لي صمتُ صحرائي، ولي أنغام واحاتي،
ولي شمسي وغيمي،
لي سمائي،
لي لياليَّ المليئةُ بالعَتابا،
لي فصولي الأربعةْ!
ولكل ِّ من عبروا الحياة َ إليَّ جنّاتي ومغفرةٌ،
ولي من بعدهم،
أصداءُ لحن ٍ
صيغَ من حُبٍّ
وزنبقة ٍ
وبحرٍ غادرتْه الأشرعةْ!!".
وأكمل الشاعر خضير شهادته بالقول: "الشعر، ومنذ ولادته، ما زال يحفظ للعرب هيبة لغتهم التي حسَدهم عليها الشاعر الألماني «غوته» بقوله: «ربما لم يحدث في أيّ لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية»، هذا القول مصدره الشعر القادر على رفد اللغة بالكثير من الموسيقا والانزياحات القابلة للتأويل والتحليق بعيدًا عن سماء العاديّة، وهذا الانسجام؛ متوفر في الأعمال غير الكاملة للشاعر الناقد نزار عوني الّلبدي، الذي أتاح لي فرصة مشاركته رحلة البحث عن الخلود؛ هاجس الشعراء منذ صاحب العشبة «جلجامش».
الشعر، في رحلته الطويلة، حظي بعض مبدعيه بالنسيان -بعد أن طاشت صنارة الغاوين- فلم يجدوا من يطبع لهم قصائدهم، سواء على صفحات الذاكرة، أو على وجه الرّقاع، كما أن بعض مبدعيه حظيو بالدوام والبقاء، بعد أن تناقل الناس أخبارهم، وأشعارهم، غداة أدركوا قيمة هذا المنتج الذي منحَ العرب سمَتيّ الفصاحة والخطابة.
من هنا برزت الفكرة، فالشاعر الّلبدي أحد الذين طالهم ظلم الإعلام المحشور داخل فكرة الإقصائية، حتى شككتُ بأن إبداعه «أقصد الشاعر الّلبدي» آيل للنسيان، فتقدمتُ إليه بمقترح لجمع أشعاره في مجموعة تحفظ له ما أنشدَ من الشعر، ولستُ في مقام يسمح لي نقدَ شعره (وهو أستاذي)، إنما هي فرصة مجاورة الشاعر الذي منح جلَّ وقته وقلمه لإنتاج عصبة حافظة للعربيّة من التهتّك والخراب".
ثم تلا الشاعر نزار عوني اللبدي غير قصيدة، وسط تفاعل المتابعين، وفي نهاية الاحتفال، كرم رئيس المنتدى المهندس صالح الجعافرة المحتفى به والمشاركين، ويذكر أن فقرة التكريمات بتنظيم من الأستاذة ميرنا حتقوة أمينة سر المنتدى.