تذهب بعض الزخارف الإسلامية بنا إلى ما هو أبعد من مجرد خطوط وأشكال فنية، ولا سيما أعمال لولوة الحمود الفنانة التشكيلية السعودية، التي قضت 21 عاما من عمرها في كتابة أسماء الله الحسنى بلغة فنية، وعبرت عن استعدادها لأن تقضي 21 عاما أخرى فيها، لما تحمله من جماليات ومعان تدعو إلى التأمل.
تعبر الحمود عن الكلمة بشكل إبداعي تحمله الأشكال الهندسية المجردة، في دعوة "سرية" إلى التأمل وتذوق العمل الفني بالتفكر ومحاولة فك مفاتيحه، إذ تعبر هذه التكوينات عن لغة وقواعد خفية، تناولت ملامحها في جلسة ثقافية أقامها صالون أفق، التابع لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة السبت الماضي.
فلسفات عميقةفي جلسة عنوانها "محطات بين الخطوط" نظمها صالون أفق ضمن البرنامج الثقافي لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وفي ظل حضور لفيف من الفنانين والمهتمين، تحدثت لولوة الحمود المتخصصة في الفنون الإسلامية عن بداياتها وتنقلها بين دول العالم لاكتساب الخبرات كقيِّم فني وكفنانة ذات نهج وخط خاصين، واكتشفت في رحلتها التعليمية أن معظم الفنانين الذين دخلوا بأعمالهم المتاحف استعانوا بالحروفيات المستلهمة من فنون الخط العربي.
وتطرقت، في اللقاء الذي أدارته الإعلامية أفنان الخضر، إلى أسباب اختيارها دراسة الفن الإسلامي لدرجة الماجستير في جامعة سانت مارتن المركزية للفنون في لندن، وعلقت "قادني الفضول إليه، لم نقرأه ونفهمه جيدا، كثيرون كتبوا عنه، منهم علماء رياضيات، والحروفيات والزخارف من أذكى التكوينات الهندسية، فهي ليست جماليات أو مجرد منظر، بل خلفها فلسفات عميقة وتأملات في الكون. ولعل العلماء والرياضيين والفنانين يدركون اليوم أن هناك لغة وقواعد خفية للإبداع، يحكمها نمط رياضي، وتعطي معاني وتأملات عميقة"، وكشفت أن أعمالها تجمع الفن والعلم معا.
التجريد للفن الإسلامي ألهمها كثيرا، وكذلك الحديث مع الفنانين، وخلال دراستها فوجئت بقلة المراجع المتخصصة في الفن الإسلامي، وتعزو ذلك إلى مفاهيم خاطئة من بينها التحريم، فحرية التعبير الفنية ليست محرمة، ولا دليل صريحا يدعم تحريم ذلك، على حد تعبيرها.
سعودية بفضول "أجنبية"
للحمود دور في نشر الفن السعودي خارج المملكة، وقد أجرت بحوثا متعددة في الحرف العربي والزخارف الإسلامية، وتصف نفسها بالأجنبية التي تتعرف للمرة الأولى على الثقافة العربية، وتساءلت عن سبب عزلتنا عن هذا الفن وهذه المعارف، فقد أرادت أن تعرف سر هذه الزخارف الإسلامية، هل هي للديكور فقط، أم لها دلالات ومعان أكبر؟
دائما ما يقال إن الفنان يرسم لرسالة ما يقصدها، لكن لولوة الحمود تفند هذه الفكرة، وترى أن الفنان حينما يرسم لا يفكر في رسالته التي سيقدمها، إنما يعطي شيئا منه ومن قلبه وأحاسيسه ومشاعره للوحة. وعبر لوحاتها المتقنة التكوين، تذهب بالمشاهد إلى ما هو أبعد من قراءة اللوحة والكلمة المنقوشة فيها، فالكلمة صعبة القراءة لكنها تحول الخط العربي من ممارسة ومهنة إلى إبداع، من خلال التكوينات التي تضمنتها اللوحة التشكيلية.
لولوة أبحرت في ذاكرتها إلى موقف جمعها مع رشيد بت الخطاط الباكستاني الشهير، الذي امتدت ريشته الفنية إلى مسجد الملك فيصل في إسلام أباد، وبوابة مكة المكرمة، وذكرت أنها تواصلت معه في محاولة لتعلم أصول الخط العربي وعناصره الأساسية، وعلى مدى ثلاثة أشهر علمها هذه الأساسيات، ولم يكن هدفها أن تصبح خطاطة، بل فهم وممارسة الخط العربي ومبادئه.
الحضور فنا في مكتب ولي العهد استعرضت الحمود مجموعة من لوحاتها أمام زوار مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ومنها لوحتها في مكتب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي جاءت ضمن مجموعة فنية أطلقت عليها اسم "الباقيات"، وتضم مجموعة من اللوحات "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، وأنجزتها بطريقة خاصة، إذ كتبت "الله" بشكل أكبر، وكشفت أنها فوجئت بوجود لوحتها "الله أكبر" في مكتب ولي العهد، بعد أن باعت اللوحة الأولى "سبحان الله" لمتحف في لوس أنجلوس، أعقبها بيع جميع لوحاتها ضمن سلسلة "الباقيات" لشركة في بريطانيا.
وثمنت توجيه ولي العهد منذ 2013 بأن تزدان كل مقاره الرسمية بأعمال فنية تشكيلية مصممة بأيد سعودية، إيمانا بقدرات الفنانين والفنانات من أبناء بلاده، وفخرا بما يقدمونه من إبداع فريد. فيما أشاد باللوحة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة على حسابه في تويتر، مغردا "مبدعة يا لولوة".
الحمود عبرت عن فخرها أيضا بعملها الآخر والشهير، حينما اجتمع رؤساء العالم حول تصميم سعودي، وتطرقت إلى تصميم الطاولة المستديرة التي توسطت اجتماع قمة جدة للأمن والتنمية التي أقيمت في يوليو الماضي، وتحلق حولها ملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي، وضمت الرئيس المصري، ورئيس الوزراء العراقي، ورئيس الولايات المتحدة، وكانت أول مرة تصمم فيها طاولة، يشبه تصميمها جذوع النخل ونموها اللامتناهي، بوحي وإلهام من التراث السعودي.
كتاب يوثق التجربة
شاركت الحمود في عدد من المعارض العالمية، منها معرض كشف المنظور الفني في باريس 2013، ومهرجان الفن الإسلامي في الشارقة 2015، ومعرض الثالوث في مركز التجارة العالمي روتردام، وبينالي لندن للتصميم، ومعرض القلم في مركز إثراء، وأشرفت على أول معرض سعودي للفن المعاصر، الذي حمل عنوان "إيدج أوف أرابيا" في لندن 2008.
وفي كتاب "ما بعد الخطوط" الصادر أخيرا، تسرد لولوة الحمود تجربتها ومشوارها الفني، وتشرح أعمالها ومكنوناتها، ويتضمن مقابلة موسعة معها، إضافة إلى مقالين عن أعمالها، وعدت الكتاب مرجعا عنها، مستذكرة ما عانته في قلة المراجع، فالكتاب يعد تجربة شخصية، بدأته ليكون كمثل، ستعقبه كتب أخرى مماثلة.
وكشفت في حديثها على هامش توقيع الكتاب لزوار مكتبة الملك عبدالعزيز العامة أنها بصدد إصدار كتاب عن فنان آخر، سيرى النور قريبا، وكتاب ثالث عن فنانة سعودية تعتزم إصداره مستقبلا، إذ تتزامن جهودها مع جهود مؤسسة محمد بن سلمان "مسك"، التي تعمل حاليا على إصدار مراجع وكتب عن الفنانين السعوديين والدوليين.