بريطانيا في تبنيها لسياسة التحريض والمشاركة المكشوفة في العمليات ضد روسيا، أشبهها بالمصارع الغير مهيأ للنزال معتمداً على تاريخه الحافل بالإنجازات والانتصارات دون مراعاة لأثر الزمن عليه، وما أصابه من وهن جراء ذلك، فيختار منازلة الدب الروسي الفتي المتمكن القادر على صد الضربات وتوجيه اللكمات الماحاقة للخصم المتهالك.
والحديث هنا يدور حول ضلوع بريطانيا مع أوكرانيا في الهجوم بالطائرات المسيرة الانتحارية المفخخة، إلى جانب القوارب الموجهة عن بعد والمحملة بالمتفجرات، على مركز الأسطول الروسي في خليج سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم متسبّباً بأضرار في إحدى السفن،
وبناء على ذلك، أعلن الجيش الروسي السبت الماضي أنه صدّ الهجوم واتهم بريطانيا وأوكرانيا بالوقوف ورائه.
وقد تم رصد المسيرات الانتحارية والقوارب المفخخة المهاجمة في ساعة صفر حددتها الاستخبارات الروسية، وبالتالي تدمير أكبر عدد منها قبل إصابة أهدافها.. اعتماداً على معلومات استخبارية مسبقة حصلت عليها القيادة الروسية بوسائلها الخاصة، ولولا ذلك لحصلت كارثة كان من شانها وضع الأزمة على المحك النووي! فلا مندوحة للقوات الروسية عن ذلك.
من جهتها نددت وزارة الدفاع البريطانية بما اعتبرته "ادعاءات خاطئة" لموسكو تهدف الى "تحويل الانتباه".
بينما عزا مسؤول أوكراني- مستخفاً بعقول المراقبين- السبب إلى تعامل القوات الروسية بإهمال مع متفجرات كانت على ظهر إحدى سفن الأسطول. دون أن يعلم بأن قدرات روسيا السيبرانية قادرة على رصد المكالمات التي يجريها قادة الخصوم عبر هواتفهم المُخْتًرَقَةُ كما تم الكشف عنه مؤخراً في بريطانيا.
فقد جاء في صحيفة "ذا ميل أون صنداي"، السبت الماضي 29 أكتوبر 2022، نقلاً عن مصادر أمنية لم تسمها، بأن هاتف رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، ليز تراس تعرض للاختراق "من جانب عملاء يشتبه في أنهم يعملون لحساب الكرملين". ويشتبه في أنهم تمكنوا من الولوج إلى "محادثات في منتهى السرية مع شركاء دوليين".
فهل سيكون ذلك صعباً على القوات الروسية السيبرانية في اختراق هواتف القادة العسكرين المتورطين في الحرب الأوكرانية ضد روسيا، مع أن الأخيرة اتُهِمَتْ من قَبْلْ إبان انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 بدعم ترامب سيبرانياً من خلال اختراق حواسيب بعض قادة الحملة الانتخابية للديمقراطيين! لصالح حملة ترامب التي توجت بفوزه الساحق.
لذلك فمن المتوقع ان يكون في جعبة روسيا بيانات مسجلة قد تُسَوَّغْ قانونياً لعرضها أمام مجلس الأمن الدولي في ملف أمني متكامل، يضم هجمات الطائرات المسيرة التي استهدفت ميناء سيفاستوبول في القرم، إضافة الى الانفجارات التي خلفت أضرارا في خطي انابيب نورد ستريم 1-2 لنقل الغاز في سبتمبر الماضي.
لذلك أعلنت وزارة الخارجية الروسية، السبت الفائت، بأنّ "موسكو ستلفت انتباه المجتمع الدولي بما فيه مجلس الأمن، إلى سلسلة الهجمات الإرهابية ضد روسيا، في البحر الأسود وبحر البلطيق، بما فيها تلك التي تمت بمشاركة بريطانيا".
ويطرح السؤال نفسه، فما هو سر اليقين الروسي بضلوع بريطانيا في "العملية الإرهابية" لولا أنها حصلت على تسجيلات وبيانات استخباراتية تعزز الرواية الروسية! وكان على روسيا أن تجزئ الرد على النحو التالي:
أولاً: الرد المباشر الذي تمثل بمنع تصدير القمح الأوكراني.
فقد أكدت وزارة الدفاع الروسية أنّ "سفن أسطول البحر الأسود التي استهدفها نظام كييف بطائرات مسيّرة أنيطت بها المشاركة في ضمان أمن ممر الحبوب الذي يُعَدُّ جزءاً من مبادرة دولية لتصدير المنتجات الزراعية من الموانئ الأوكرانية عبر البحر الأسود".
لذلك جمدت روسيا تلك المبادرة بذريعة تعرض أسطولها للهجوم، رغم علمها بأن إيقاف تصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود قد يُغرق الدولَ الأفريقية الفقيرة في أزمات غذائية لا طائل لمواجهتها بدون القمح الأوكراني؛
لكن روسيا نوهت أيضاً إلى أن القمح الأوكرانى لا يصل إلى القارة السوداء كما هو مطلوب؛ بل يُحَوَّلُ في وضح النهار إلى صوامع الحبوب في عموم دول الاتحاد الأوروبي وخاصة بريطانيا التي اشتهرت بسياسة المراوغة عبر تاريخها الطويل.
ثانياً:- - التحرك الدبلوماسي عبر مجلس الأمن، وتقديم شكوى ضد الجهات التي يشتبه بضلوعها في الهجوم، والمقصود هنا أوكرانيا وبريطانيا، ويبدو ان في جعبة روسيا ما يثبت ذلك.
ثالثاً؛- الرد العسكري المتوقع سواء كان استخباراتياً في السر أو قصفاً علنياً يستهدف بنك اهداف أوسع. وهو إجراء روسي متوقع وفق استراتيجية الفعل وردة الفعل.
ولكن مدى استفحال هذا الرد فإنه يعتمد في تقديري المتواضع على طبيعة تجاوب المنظمة الأممية مع الطلب الروسي، فلو كان بارداً دون مستوى الحدث، خاضعاً لسياسة الكيل بمكيالين؛ فلن تقف روسيا مكتوفة اليدين؟ بل ستلجأ إلى الرد العسكري الشديد!،
وهذه المرة قد يشمل الردُّ المصالحَ البريطانية إلى جانب بنك الأهداف الأوكرانية التي دُمِّرَتْ 30% من بنيتها التحتية.
لذلك فإن بعض السياسيين والإعلاميين البريطانيين يحذرون رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك من مغبة قيام روسيا باستهداف قواعد الأسطول الملكي البريطاني القوي، في بورتسموث، وديفونبورت وبليموث من باب الرد بالمثل، باستخدام الصواريخ بعيدة المدى، منبهين إلى ضرورة نصب صواريخ دفاع جوي بعيدة المدى للتصدي لأي هجوم روسي متوقع.
وقد يحدث ذلك في سياق عملية استخبارية سرية دون ترك دليل يدين روسيا.. كما حدث في عملية قطع كابلات النت التي تربط بريطانيا وفرنسا بالعالم وتم الإيحاء حينذاك إلى ضلوع روسيا في ذلك على الرغم من حصر الموضوع في إطار التحقيقات السرية الجارية، كما هو الوضع بالنسبة لتفجير خطي نورد ستريم 1-2 مع رفض روسي لنتائج أي تحقيقات دون إشراكها بالتفاصيل.
في المحصلة.. فدولة هرمة مثل بريطانيا -رغم كونها من أقوى اقتصادات العالم- تعاني من أزمات اقتصادية متفاقمة، وتمارس سياسة التبعية العمياء لأمريكا، وتقدم الدعم المالي السخي والتقني والعسكري للجيش الأوكراني وتدريبه على الاستراتيجية الغربية في المواجهات على اعتبار أنها الحاضنة لأكبر اكاديمية عسكرية في العالم، "ساندهيرست العسكرية الملكية" التي تأسست عام 1802 وخرَّجتْ أكبرَ القادةِ العسكريين في العالم منذ ذلك الوقت.. أضف إلى ذلك فاتورة دعمها العسكري لأوكرانيا التي تجاوزت كل التوقعات ما تسبب بتضخم اقتصادي لا يمكن معالجته برفع الفائدة أو خفضها.
ورغم كل ذلك تُصِرُّ بريطانيا على توريط نفسها في المستنقع الأوكراني، مستفزة الدب الروسي.
فهل تنتظر أن يباغتها الدب الشرس في كرمها وهي تعلم بأنها لا تقوى على مواجهته في ظل ظروفها العصيبة!.
إلا يتعلم البريطانيون من تجربة الرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي دمر بلاده طمعاً في دخول الناتو دون ان يظفر بذلك، فورط أوكرانيا في حرب لا يقدر عليها وكان بوسعه حل الموضوع بالمفاوضات لو استجاب لصوت العقل!
فهل تتجاوب بريطانيا مع صوت العقل قبل أن تفتح على نفسها جبهة هي في غنى عنها! الجواب مرهون بحكمة رئيس وزراء بريطانيا الجديد ريشي سوناك الذي لم يتنفس الصعداء بعد.