لا يمكن حتى الآن، رغم كثرة النقاش وكثرة المقترحات المطروحة على الطاولة، فهم وتوقع الاتجاهات التي ستذهب لها عملية يبدو أنها ستخضع للجراحة قريباً تحت عنوان مأسسة العمل البرلماني وإعادة هيكلة النظام الداخلي لمجلس النواب، تمهيداً فيما يبدو لمرحلة الأحزاب السياسية.
لا توجد بوصلة محددة في هذا الاتجاه، ولا توجد أوهام بخصوص الحاجة الملحة لغطاء سياسي ومؤسسي، لأن رئيس المجلس الجديد أحمد الصفدي أكد مرتين بأن "مأسسة العمل البرلماني” واستعادة هيبة المجلس ودوره، هي مساحات لا تقبل الخلاف، والمجلس سيد نفسه في الإجراء والمتابعة.
الصفدي يبذل جهداً كبيراً ويخصص وقتاً أكبر لتحديد خارطة ملامح عبر سلسلة حوارات مع النواب والخبراء تحت عنوان الاحتياج لمعادلة إدارة جديدة مؤسسية أكثر في ملفي التشريع والرقابة، وتميل إلى ضبط السلوك البرلماني بصورة منتجة، وتمهد الأرضية تماماً لنهضة مؤسسية في العمل البرلماني قد تغير الكثير من الملامح، وقد لا تفعل إذا لم تحظ بإرادة سياسية وبالعمل وفقاً للبرلماني السابق محمد الحجوج، مع مقاربة وطنية مؤسسية تفرش الأرضية لدور الأحزاب والتحديث المقبل.
كلف على الأرجح الصفدي بذلك مرجعياً، ولديه شخصياً طموحات في ترك بصمة في هذا الاتجاه مع العمل على إعادة هيبة مجلس النواب.
ونخبة من المحللين والمتابعين يعتبرون مجلس النواب بحلته الجديدة ومكتبه الدائم الفاعل المستجد قادراً في الاشتباك الإيجابي على الخوض في ما أخفقت لجان تشاور مسار التحديث الخوض فيه. لكن مقادير نجاح الصفدي أو المكتب الدائم للمجلس في فرض بصمة على النظام الداخلي وإعادة هيكلة مسألة السلوك النيابي وتفعيل بنود الرقابة والتشريع و”العمل اللجاني”، هي مسألة تحتاج للاختبار، خصوصاً أنها تتطلب إعادة جمع الأوراق المخلوطة أو التي لا ينتمي بعضها إلى بعض تحت عنوان حالة كتلوية جديدة تنعكس عملياً على لجان التشريع والرقابة.
الطموحات كثيرة في هذا الاتجاه والبرامج متعددة. لكن كما يحصل مع مختلف تصنيفات مسار التحديث السياسي، يمكن القول بأن بعض الأفكار الجريئة بدأت تتسرب هنا وهناك في أوساط النواب، لكنها أفكار ومقترحات من الطراز الذي يحتاج إلى جرأة سياسية، لا بل إلى إرادة سياسية يمكن أن يعمل عليها النواب برئاسة الصفدي.
وهنا تبرز في هذا السياق عدة إشكالات لا يمكن الاستهانة بوجودها عملياً، خصوصاً إذا تعلق الأمر بمحاولة ضبط سلوك النواب ووقف حالات الاحتكاك بالوزراء ومأسسة التواصل والاتصال بين الوزراء والنواب، بحيث يمتنع النواب بعد الآن إلا بعملية تنسيق جماعية عبر رئاستهم والمكتب الدائم والأمانة العامة لمجلس النواب بدلاً من أو عند الزيارات الفجائية للوزراء.
وعند الاحتكاك مع الوزراء وكبار الشخصيات بعد الاستدعاء البرلماني، وهو أمر يحتاج لقناعات، لكنها قناعات تبرر حاجة موضوعية اليوم وتبدو الكتل البرلمانية منفتحة عليها.
الانطباع قوي عند الحكومة على الأقل والسلطة التنفيذية بأن مأسسة التواصل والاتصال بين الوزراء والنواب برنامج مهم يدعمه كل من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة ورئيس المجلس أحمد الصفدي.
وهو برنامج يسعى بطموح غير مسبوق إلى تقليص الاحتكاك الشخصي أو لأسباب شخصية بين النواب وعناصر وأفراد الطاقم الوزاري، والعمل في إطار التواصل مع الكتل والبرامج وتخصيص أوقات وآليات وتقنيات محددة مسبقاً عبر وزارة الشؤون البرلمانية حصراً لتنفيذ احتياجات النواب لمناطقهم الانتخابية ولدوائرهم ولناخبيهم، على أن يكون كل ذلك في إطار خطة طموحة يتحدث عنها بعض الوزراء والنواب اليوم، لكن تفاصيلها لم تعلن وتحتاج إلى وقت لاختبارها.
وفي مسار قريب، يمكن القول بأن المطلوب لأغراض مساري تحديث المنظومة السياسية والتمكين الاقتصادي اعتباراً من العام 2023 هو تهيئة الظروف البرلمانية للتعامل مع تداول حزبي قوي بدلاً من كتل البرلمان في المراحل المقبلة، تحديداً بعد الانتخابات التي يتوقع أن تكون مبكرة في نهاية العام 2023.
ويعني ذلك أن مجلس النواب الحالي سيمهد أرضية وقبة البرلمان لحالة جديدة على المزاج السياسي والبرلماني الأردني عموماً، عنوانها هذه المرة الحرص على جلوس وكيفية إدارة الأمور تحت القبة عندما تتحرك الأحزاب البرامجية وتشكل الكتلة الأكبر في البرلمان.
ويفترض أن تحصر مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة بنسبة الربع أو الثلث على الأقل للأحزاب السياسية وفي الانتخابات التي تليها تقترب من الثلثين، وبعد نحو تسع سنوات يفترض -حسب الخطة الموضوعة لمسار التحديث- أن تصبح القوى الحزبية بنسبة 100% في العمل البرلماني.
وهو أمر يتطلب من اليوم تجهيز البنية الدستورية والنظام الداخلي لمجلس النواب وضبط إعدادات السلوك النيابي الفردي قبل الوصول إلى استحقاقه الزمني الطموح كبير هنا، والأفكار ضخمة، لكن تنفيذها مرهون بإرادة سياسية في الوقت نفسه.