في الوقت الذي تخسر عشرات الشركات الحكومية أوالمساهمة العامة في الأردن ملايين ومليارات الدولارات طيلة السنوات العجاف لها في عالم التسيب الإداري والتنفيع الشخصي، وهذا ما كشف عنه تقرير ديوان المحاسبة الصادم مؤخراً، فإن هناك شركات وطنية أعادت الحياة لمواردها المالية وتوسيع استثماراتها وتوطين شراكتها في بلدها الأردن، فعبر أكثر من ستين سنة مجتمعة من تاريخ شركة الفوسفات الأردنية لم تحقق أرباحا تقارب على حصيلة ما حققته الشركة في السنوات الأربع الأخيرة، إذ كان حاصل أرباح الشركة طيلة العقود الماضية لم تتجاوز 888 مليون ديناراً، ورغم تقالب الإدارات فلم يفهم أحد منهم أن الإدارة الذكيّة هي سرّ نجاح الشركة.
فحسب الحصيلة الأخيرة التي أعلن عنها، فقد أظهرت النتائج ما حققته شركة الفوسفات من أرباح صافية خلال السنوات الأربع الماضية تجاوزت ما حققته الشركة منذ تأسيسها، وذلك بما قيمته مليار و32 مليون ديناراً خلال الفترة ما بين شهر كانون أول 2018 ولغاية 30 أيلول 2022، أي أنها اختزلت تاريخاً زاد عن خمسة وستين عاماً كانت الشركة تعاني من التسيب وعدم الإهتمام والإنفاق الموجه لغايات الدفاع عن ضعفها، ولكن ما جرى أخيراً قد قلب الخسائر الى أرباح تاريخية،و سجلت الإدارة الماهرة نجمة ساطعة على حائط الشركات العالمية، وما كان ذلك لولا حُسن اختيار الرؤساء الأكفياء والمؤتمنين على أصول الشركة والوطن ورفدها لكفاءات منتمية تترجم الرؤية المستقبلية للشركة.
ومثال آخر مقارب لما حققته الفوسفات، نجد أيضاً شركة البوتاس العربية التي جاءت مؤشرات صافي أرباحها متميزة لتحقق 477 مليون دينار أيضا، ولإعتبارات السوق والانفتاح على أسواق العالم والشراكات الدولية، فقد حققت شركة الفوسفات الكثير من الصفقات الرابحة جدا في العديد من الأسواق العالمية، وكل ذلك يتأتى بنجاح الإدارة التي أخذت على عاتقها تحدٍ كبير للخروج من أزمات الأسواق والتخلص من البيروقراطية والعجز والتسيب الإداري والفساد الأصغر وتكالب الشركات الثانوية الصغيرة التي اضاعت على الشركة الكثير من التحققات المالية نتيجة الاستغلال الجشع خلال السنوات الماضية .
هنا لا نقارن شركة عملاقة كالفوسفات بشركات مسجلة كحكومية يستأثر بها أصحاب الألقاب الوزارية والمحظيين في المناطق التنموية، فمن الخطأ مقارنة النجاح الباهر بالفشل المؤسسي، ففي مقابل الاستشراف المستقبلي لإدارة الشركة وإعادة شراء شركات كانت قد بيعت بأبخس الأثمان يقابلها تخلص من شراكات غير منتجة، وتحوط أساس للكميات المستغلة من المواد الخام والمواد الأولية وبناء منشآت لتعويم وغسيل الفوسفات والتصدير، نجد أن القائمين على إدارة الشركة من رئيس مجلس إدارتها والإدارة التنفيذية يسعون بتكافلية لتحقيق أكبر عائد للشركة، وهذا ما يجعل بعض المتربصين يوجهون سهامهم بغية إخضاعها لمصالحهم الخاصة والحسد، لا تحقيقاً للكفاءة أو الانجاز والنجاح.
فيما الشركات الحكومية لا يدقق عليها فيما تفعله أو تخسره، وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة قد شدد على تصويب أوضاعها وتقييم الفائدة من عدمها لتلك الشركات، فإن قوى الشد المصلحّي تحاول الاستئثار بمكاسبها وتتبّع عملية ليّ الحقائق لتدافع عن مكتسباتها لا للنهوض الفعلي بشركات الدولة، وحتى يفهم البعض أن شركة مثل الفوسفات وظفت أو تقاعد منها عشرات آلاف الموظفين خلال السنوات الطويلة، كان البعض ينهش بها، وقد تم الكشف عبر لجان مجلس النواب عن بطلان ادعاءات الذين يهاجمون تصحيح الخلل البائن في عدد من الإجراءات الملتوية التي استمرأوا الكسب غير المشروع منها، والتي تهدر على الشركة مئات آلاف الدنانير عبر قنوات غير صحية، بل إن منهم من يتحسر على إدارات سابقة أغرقت الشركة بالديون الفاسدة.
ما نراه اليوم من إعادة الآلق الى شركاتنا الناجحة والفوسفات مثالاً، لا يمكننا إغماض العين عن دور الرئيس الماهر، الذي يحدد الرؤية والهدف لإنجاح أعمال الشركة، والملمّ إدارياً بكل التفاصيل والمهام الأساسية والمساندة، فمعيارالمدير الناجح معرفته بأدق التفاصيل صغيرها وكبيرها، ويجيد إدارة التكاليف والميزانية، ويلم بإدارة المخاطر ويدعم تطوير المهارات، ضمن إدارة التكامل الوظيفي لفريق العمل، وهذا ما يبدو مؤكداً من إجراءات الإدارة العليا سعياً لاستدامة الشراكة مع العملاء خارجياً وداخلياً، فضلاً عن فتح الأسواق العملاقة، والتي رفعت تعاملاتها من حجم الكميات المطلوبة وسرعة الاستجابة، لتصبح الشركة واحدة من أهم الشركات العربية والعالمية، وهذا ما يجب على الشركات الكثيرة أن تتعلم فن الإدارة لإنجاحها لا لفشلها.