يقدّم القاص العُماني د. سعيد الدرمكي في مجموعته "شمعة الميلاد" مجموعة من القصص التي يرتحل خلالها عبر الزمان، جاعلا من تفاصيل المجتمع العُماني مادة سردية تجمع الماضي بالحاضر وتؤكد الوشائج التي تجمع بينهما.
وجاء الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 72 صفحة من القطع المتوسط، وحوى 13 قصة نُشرت على مدى أعوام مديدة في مجموعة من الدوريات والملاحق الأدبية المتخصصة.
ويرى الأستاذ الدكتور حمود الدغيشي الذي قدَّم للمجموعة أن سعيد الدرمكي "يبدو في سرده متوائمًا مع الحدث، ولا يبدو في الأفق شيءٌ غير ذلك، فالوَعْيُ بالمعتقد والأسطورة يسير في صالحهما في السّرد، وليس هناك تعطيل لمجالهما المغناطيسي، بل على العكس تمامًا، فهناك تفعيل لجاذبيتهما".
وأضاف أن "هذه التجرِبة القصصية التي توزّعت في قُصاصاتٍ صحفيّة تستحقّ أنْ يحتضنَها كُرَّاسٌ قصصيٌّ؛ بوصفِها شاهدًا دراميًّا على مرحلةٍ من مراحل الحياةِ في المجتمع العُماني".
ومن الأجواء القصصية التي تبيّن شيئا من الملامح الاجتماعية التي رصدها المؤلف:
"كانت تلك المرأة عاقرًا وقد بلغت من الكبر عتيًّا، فأمسكت بجذع الشجرة تلك سائلة أن يكونَ لها طفلٌ؛ كي تَقَرَّ عينُها ولا تحزن، فيكون غطاءَها في يومٍ مفعمٍ بالسواد، فها هي، وقد أنجبت هذا الطفل المبارك جاءت به مقدمة الشكر والولاء.
وما لهؤلاء القوم القادمين من مكان قصيّ يغنون ويرزحون؛ نساءً ورجالًا أطفالًا وشيبانًا يتوسطهم شابٌّ؟
ومَا لِيَ أرى أولئك: المرأة والرجل، ومعهما أولادهما، يحومون على تلك الشجرة، وكأنهم يتربصون بشيءٍ فقدوه منذ سنوات مديدة في جوف هذه الشجرة؟".
ومن النصوص التي يجسد الكاتب من خلالها حنين الإنسان المعاصر إلى الطبيعة وماضي حياته البسيطة في قريته:
"شرع يحملق في فضاءات المكان متذكرا تلك الطفولة الجميلة التي قضاها كالأسماك سابحا في أحشاء البحر، أو كالطيور محلقا على قمم الأشجار وأعالي الجبال. تذكر صبية القرية وهم يركضون حفاة على لهيب الرمال الحارقة في عز القيظ، تذكر وقوفه على الشاطئ في انتظار العم سالم القادم من البحر بقاربه المحمل بالأسماك الوفيرة، وكيف كان عليه أن يهب إلى المساعدة في إرساء القارب في سبيل أن ينال حظه بسمكة هزيلة يحملها إلى البيت؛ قربانًا يُنجيه من ضرب أبيه الساخط من تصرفاته البهلوانية"..
ومن الجدير ذكره أن سعيد الدرمكي حاصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال، وهو مُحكم لعدد من المجلات العلمية وأستاذ أكاديمي غير متفرغ في عدد من الجامعات والكليات في سلطنة عُمان. وصدر له قبل هذه المجموعة مسرحية "لن أكن خرتيتا" التي نالت جائزة المنتدى الأدبي، وقد دأب على نشر كتاباته في المجلات والملاحق الثقافية في سلطنة عُمان.