قال الكاتب الصحفي مالك العثامنة ان الصحافة في الأردن وفلسطين تاريخيا حالة قديمة وعريقة، وهي جزء من سياق كبير وواسع بدأ مع مسيرة التطور الإنساني أساسا في التواصل والاتصال وتناقل المعلومة.
جاء ذلك خلال حديثة عن عن واقع الصحافة في الاردن ضمن الندوة الحوارية التي نظمها ملتقى اربد الثقافي وملتقى المرأة الثقافي في قاعة الندوات بملتقى اربد الثقافي وبحضور رئيس ملتقى اربد الدكتور خالد الشراري ورئيسة ملتقى المرأة السيدة فايزة الزعبي وعدد من ابناء المجتمع المحلي وممثلي وسائل الاعلام , وقدم مفردات الندوة الزميل محمد العمارين .
وقال العثامنة : دعونا نلقي الضوء ولو قليلا على تلك المعادلة الصعبة في تاريخ الصحافة عموماً، معادلة تحقيق التوازن بين تقديم المعلومة المسؤولة - ولننتبه إلى تأطير كلمة مسؤولة بمعناها المطلق هنا وبين حرية الكلمة والتعبير وهل سقفها السماء فعلا؟ ثم الوصول إلى حالة الفوضى تحت مسمى الحرية الإعلامية فتصبح الإشاعة والمعلومة المضللة تملأ فراغ الإعلام، وقد تم تفريغه رسميا وبمنهجية على مدار سنوات فلا تقدم الدولة المعلومة الشفافة الواضحة ولا يستطيع الصحفي المهني الحصول عليها إلا بشق الأنفس وتحت طائلة تهديده بلقمة عيشه أحيانا، لنصل إلى حالة الفوضى في فضاء إلكتروني شاسع وواسع تم فيه نحت مفهوم المواطن الصحفي وهو مفهوم خطير لي أسبابي المهنية والموضوعية في التحفظ عليه. ما عشته، شخصيا، كان في تلك الفترة المفصلية بما تم تسميته بالتحول الديمقراطي، بداية تسعينيات القرن الماضي، حين قرر الملك الراحل حسين بن طلال وبعد أحداث معان وتداعياتها والدولة في كامل عافيتها المؤسسية لكن بأشد مراحل معاناتها الاقتصادية، ان يعيد للبرلمان "المنتخب دوره، سياسي شجاع حينها تفعيل الانتخابات النيابية والتي تبعها وتوازى معها وقف العمل بالأحكام العرفية. هذا الانفتاح الديمقراطي السياسي كان لا بد أن يترافق معه وبالضرورة التاريخية انفتاح إعلامي، تمثل حينها بتغير نوعي في طريقة وأسلوب مطابخ التحرير الصحفي في الصحافة اليومية التي كانت تتسيدها ثلاث صحف رئيسة ) الرأي الدستور - صوت (الشعب). ولكل منها تاريخه وبعضها له منتهاه، فانتهت صوت الشعب ماليا بالتصفية لتحل محلها "الأسواق" المتخصصة بالاقتصاد وبورقها البني المختلف عن اللون المعتاد .
وبين انه كان هناك جيل من خريجي الصحافة الجدد من الشباب في جامعة اليرموك قد دخل سوق العمل الإعلامي، ولأن الفرص نادرة في اليوميات، كان لا بد من فكرة الصحافة الأسبوعية او صحافة , فكانت شيحان، لمؤسسها الطبيب القادم من القطاع الخاص لاستيعاب موجة الدماء الشابة الجديدة ( أغلبهم من عمري وقد صاروا كهولا اليوم اليونان بالفكرة والتصميم درياض الحروب، وقد كانت الريادة لها فعليا، مع وجود صحافة خاصة أسبوعية قبلها مثل اللواء التي أسسها الراحل الدكتور حسن التل كانت "شيحان" حالة جديدة في الحالة الصحفية الأردنية خارجة عن المألوف بتصميمها وطباعتها وحجمها وألوانها، والأهم بمواضيعها التي كانت حالة ثورية على السائد في المادة الصحفية وأولوياتها التي كانت دوما خاضعة لمزاج الرقيب. هذا لا يعنى اختفاء الرقيب - وهو لم يختف حتى اليوم لكن هذا النوع من الصحافة الثورية الجديدة بين هذا وذاك، كانت عملية النضال الصحفي لاكتساب الحقوق، والسياسيون في فترة الانفتاح أدركوا أهمية الصحافة للإنتشار بين الجمهور.
واشار الى ان الناشر نفسه اصبح وكيلا عن السلطة في الرقابة، ونشأ في داخل كثير منا ذلك الرقيب الداخلي الذي يصححنا لو انحرفنا حفاظا على لقمة العيش لكن لم يخل الأمر من تمرد "جميل" ومتمردين أجمل. انتشرت أيضا ظاهرة مكاتب الصحافة العربية والأجنبية، المطبوعة أو المتلفزة، وتوزعنا بينها نكتسب الخبرة في العمل الدولي والعربي، ونعطي خبرتنا المكتسبة في قضايا المطبوعات وزيارات "منتصف الليل" في تفادي الدوس على لغم في حقول مليئة بالألغام. كان نضالا جميلا يستحق التوثيق فعلا يوما ما. هذا الحراك الذي أوجزه لكم، أنشأ حالات المد والجزر بين الصحافة الحرة والسلطة التجاذبات تلك . التي طورت حالة التشريعات القانونية عبر السنوات، ولا أخفي أمامكم أني أشعر شخصيا وبمراجعة ذاتية لما كنا نكتبه في التسعينات أننا كنا نملك سقوفا أكثر ارتفاعا من اليوم، فالحرية لدينا لم تكن تعني الشتم هي والسب والتعريض ( طبعا كان لدينا حالات لم تشكل ظاهرة عامة)، وكان الصحفي يتعلم بالممارسة الحقيقية قيمة الخبر والقصة الصحفية. اليوم، وربما يمكن تأريخ الحالة المعاصرة والراهنة ببداية ظهور المواقع الإلكترونية، وهو فضاء افتراضي شاسع جدا خارج إدراك الرقيب نفسه، وإدراك الصحفيين كذلك. هذا محصلة ثورة تكنولوجيا المعرفة التي تكاد تكتمل اليوم لندخل قريبا عصر الذكاء الصنعي. ولنا ان نتحدث عن فوضى الحواس الذي تتركه وسائل التواصل الاجتماعي التي حدث من انتشار المواقع الصحفية نفسها، وصار لدينا امام فراغ إعلامي لا تقدم فيه الحكومات المعلومة الكاملة والواثقة، مساحة كبيرة يملأها التضليل والإشاعات، وهذه تنقسم إلى قسمين قسم ساذج قد يمارسه متبطح على وسادة في يوم جمعة مضجر، أو منهجية استهداف مدروسة وممولة تقودها دول تستهدف الأردن في محيط إقليمي متصارع وساخن أصلا، هذا المتبطح طبعا حاضر في كل الحالات والظروف والمواسم. فانتهينا إلى قانون جرائم إلكترونية، ضاعف الخوف والفوضى، ولم تفكر الحكومات كما المشرعين - أعادهم الله من غيبتهم حتى اليوم بأن الحل يكمن في الشفافية والمعلومة الكاملة المتماسكة الواثقة التي تعكس حكومات وسلطات واثقة.