نشكر السادة رئيس واعضاء اللجنة القانونية لمجلس النواب الكريم على توصياتهم النافعة لتعديل قانون مهنة المحاسبة المؤقت لعام 2003، فقد ساعدت كثيرا على تنظيم جانب المحاسبة من المهنة ولاول مرة، واوصت بانشاء جمعية مهنية للمحاسبين الى جانب جمعية مدققي الحسابات القائمة الان (باسم اخر)، وصوبت المسميات المهنية، واوصت بنقل ادارة امتحان المهنة الى ديوان المحاسبة وانشاء معهد متقدم للتدريب، فجزاهم الله كل خير، وهنا قد يقول البعض لماذا جمعيتان؟ وانا اجيب هنا بتوجيه السؤال التالي: هل يجوز مثلا ان ننظم طب الاختصاص ونترك الطب العام بدون اي تنظيم ثم ندعي اننا خدمنا البلاد والعباد ومنعنا التداخل بين الوظيفتين؟ طبعا لا، وهذا ما كان قائما بالنسبة لمهنة تدقيق الحسابات والمحاسبة والان جاء الوقت، وان كان متأخرا، للتصويب واستكمال التنظيم المهني كحد ادنى. وبصراحة اكثر من يمنع قيام المدقق باعمال المحاسبة والتدقيق معا اذا ما التقت مصلحة المدقق الشخصية مع مصلحة الملزم بالتدقيق؟ لا احد، وهذا للاسف ما هو حاصل في العديد من الحالات في حين لا يستطيع المحاسب القيام باعمال المحاسبة والتدقيق معا لانه لا يملك رخصة وختم التدقيق ولا تتطلب القوانين والانظمة الافصاح عن اسم المحاسب فالمطلوب فقط الافصاح عن اسم المدقق من خلال التوقيع على وختم تقرير التدقيق.
واضافة لذلك اود هنا كذلك ان استاذن السادة اعضاء مجلس النواب المحترمين الذين ستعرض عليهم توصيات اللجنة القانونية بخصوص قانون المهنة قريبا بان الفت النظرالى غياب نقاط مهمة في توصيات اللجنة القانونية توصلت اليها بحكم اهتمامي الشخصي بشؤون المهنة وبناءا على خبرتي المتخصصة لمدة تزيد عن 40 سنة، ابتداءا في العمل الميداني وانتهاءا بالتدريس الجامعي، حيث ارى ان هناك حاجة ماسة جدا الى بعض التوصيات الاضافية او التعديل على البعض الاخر لعل بالامكان تداركها اثناء نقاش القانون في مجلس النواب لاستكمال تشريع هذه المهنة الهامة بحق لكل بيت اردني وللاقتصاد الوطني من مختلف الوجوه، والخروج باذن الله بقانون متوازن يخدم كل الفئات المتاثرة به، من محاسبين ومدققي حسابات اضافة الى الحفاظ على المصلحة العامة، وليؤدي كل من اعضاء المهنتين الدور المامول منه في تطوير مهنتهم وخدمة انفسهم والاقتصاد الوطني في ان واحد. وهذه التوصيات التي ارجوا الله ان تجد اذنا صاغية من السادة نواب الامة هي:
1- المادة 4/أ ما زالت الهيئة العليا للمهنة تؤلف من بعض الوزراء ورؤساء كبرى المؤسسات والدوائر الحكومية، ومعظم هولاء غير متفرغين غير متخصصين ( الا بالصدفة) مما اضعف انتاجية اوفاعلية الهيئة ودورها في الرقابة على المهنة وبالتالي على الاقتصاد الوطني ككل، واظن ان تجربة ال 20 عاما الماضية كافية للحكم، اذ ليس للهيئة موقع الكتروني خاص بها حتى يومنا هذا، ولم نسمع لها رأيا او تعليقا اودعوة لعقد اجتماع او ندوة لتقييم اوضاع المهنة وتصويب اي خلل فيها قبل ان تقوم بهذه المهمة الجليلة نيابة عنها اللجنة القانونية لمجلس النواب الكريم، واظن ان من اسباب ضعف انتاجية الهيئة اقحام جهات حكومية عديدة في كل ثنايا المهنة دون مبرر او مردود مقنع، لابل على عكس ما هو معمول به في اهم النقابات المهنية الاخرى، يضاف لذلك عدم التزام بعض اعضاء الهيئة ببعض مواد القانون فيما يتعلق بالمنشآت التي تقع تحت رقابتهم، وتغير رئيس الهيئة مع كل تشكيل وزاري. لذا فانني اقترح الاضافة او التعديلات التالية على توصيات اللجنة القانونية للمجلس كما يلي:
(أ) في المادة 4/أ تخفيض التمثيل الحكومي غير الضروري وابقاء الضروري منه لغايات الرقابة وزيادة التمثيل الاكاديمي والمهني، فاهل مكة ادرى بشعابها.
(ب) في المادة 6/ب استبدال وظيفة "أمين سر الهيئة العليا" بوظيفة "أمين عام الهيئة العليا" ليشغلها شخص متفرغ عال التاهيل والخبرة في التخصص ولو بشكل منتدب و دوري لمتابعة تنفيذ مهام الهيئة وسياساتها وقراراتها، ولنسمع رأيا مهنيا للهيئة كلما دعت الحاجة لذلك، بدلا من الاكتفاء بامانة سر ساكنة كما هو الوضع الان.
2- المادة 22/4 رغم مرور اكثر من 60 عاما على بدء تنظيم وترخيص مهنة التدقيق (1960-2023) لا يوجد في الاردن سوى 496 مزاول لاعمال التدقيق يخدمون اكثر من 70،000 شركة وجهة اخرى ملزمة بتدقيق حساباتها، وهذا عدد قليل نسبة لحجم العمل، وحجم العمل هنا يقاس بعدد تقارير التدقيق التي يجب ان تنجز حسب الاصول المهنية وتوقع، ولا يهمني هنا حجم الاقتصاد، كما حاول السيد رئيس جمعية المحاسبين القانونيين تبرير قلة العدد بالمقارنة مع حجم الناتج المحلي الاجمالي، لماذا؟ ببساطة لان كل عملية تدقيق لاي منشأة مهما صغرت او كبرت لابد من قيام المدقق المنتخب من انجاز العديد من مراحل العمل التدقيقي، مثل تقدير الموقف واتخاذ قرار قبول مهمة التدقيق وتقدير المخاطرووضع خطة عمل وتشكيل فريق التدقيق والسير باجراءات التدقيق التفصيلية واختيار العينات وجمع الادلة واجراء المقابلات والمصادقات اللازمة ... الخ وتوثيق كل ذلك في اراق عمل الاحتفاظ بها قبل ان يستطيع القول اني انجزت مهمتي بامانة ومهنية وهذا توقيعي وختمي على تقريري الذي سيرفع للجهات الرقابية ضمن التقرير السنوي للشركة واذا كان هذا الكلام مغلوط فليتفضل اي مدقق حسابات ويصححني. لقد خلق نقص عدد المدققين بالمقارنة مع عدد تقاريرالتدقيق المطلوبة سنويا الى خلق وضع احتكاري سواء اكان مقصودا او غير مقصود، ولمعالجة ذلك ولو جزئيا الى حين نفاذ القانون المعدل وتقويم هذا الوضع الذي ربما ياخذ سنين طويلة يمكن السماح لحملة الدكتوراه تخصص محاسبة بالترخيص المباشر كمدققي حسابات (او ربط ذلك ببلوغ مرتبة جامعية معينة او اتمام خبرة عملية لمدة محددة او اشتراط التفرغ للعمل مثلا او نحو ذلك)، وهذا المقترح ليس ببدعة او امر طارئ بل هذا ما كان معمولا به تماما في قانون المهنة السابق رقم 32 لعام 1985 (البند 4/هـ) حتى خرج لنا قانون المهنة المؤقت لعام 2003 الذي الغى هذا الحق كليا دون بيان الاسباب، والذي تمت صياغته بدون مشاركة اي مهنيين او اعضاء هيئة تدريس اردنيين سوى مدققي الحسابات انفسهم.
وبما ان القانون الان بين يدي السادة النواب للتعديل والاقرار، طرحت هذا الاقتراح كما طرحه غيري من حملة درجة الدكتوراة في المحاسبة من قبل لعل الساة نواب الامة يجدون فيه منطقا لتطعيم مهنة التدقيق بعلم ومعرفة حملة المؤهلات العليا في التخصص وقدراتهم البحثية حول تطوير المهنة لخدمة خطط التطوير الاقتصادي والاستثماري بشكل افضل بكثير مما هو قائم الان، علما بانه لو افترضنا جدلا ان جميع اعضاء هيئة التدريس تخصص محاسبة في كافة الجامعات والكليات الاردنية (البالغ عددهم حسب بيانات التعليم العالي 305) يرغبون بممارسة مهنة التدقيق لما عالج هذا وضع الاحتكار القائم الان في مهنة التدقيق، ولكنني على يقين ان القلة القليلة فقط من هؤلاء سوف تترك التدريس الجامعي لتعمل في التدقيق، ربما يلجأ لذلك فقط من تقاعدوا مبكرا او شحت عليهم مؤخرا فرص العمل في الجامعات.
3- المادة 28 الجديدة (الترخيص) فرع ب لم تعالج هذه المادة موضوع شكوى متكررة ممن تقدموا للامتحان فحواها عدم وجود مراجع دراسية محددة معتمدة لغايات الاعداد للامتحان، وقد يقول البعض هناك كتيب للامتحان منشورعلى موقع جمعية المحاسبين القانونيين اقول نعم هناك كتيب من عدة شاشات لكن هذا الكتيب يدرج فقط عناوين عامة لموضوعات الامتحان وهذا ليسس كاف ولا يمثل مرجعا دراسيا، وهذه مشكلة قائمة منذ سنين طويلة حين توصلت دراسة علمية قام بها استاذان من الجامعة الاردنية عام 2015 ونشرت في مجلة دراسات مجلد 42 عدد 1(صفحات 203-218) كانت خلاصتها " أن عدم تحديد نطاق الامتحان هو ِّ المعوق الأول لاجتيازه، يليه عدم وجود مراجع محددة لمادة الامتحان، ُّ وتغير التشريعات والقوانين باستمرار"، وسبق ذلك دراسة اخرى عام 2012 قام بها باحثون اخرون من الجامعة الاردنية ونشرت في مجلة دراسات مجلد 39 عدد 2 (صفحات 200-214) كانت توصيتها الرئيسة كما يلي: " وبناءا على هذه النتائج فإن الباحثين يقترحون ضرورة المراجعة الفورية لهذه التعديلات ولجميع مواد القانون (المقصود قانون المهنة لعام 2003) بعد الاسترشاد بآراء كافة الفئات ذات العلاقة سواء محاسبين قانونيين أو أكاديميين أو مستخدمي البيانات المالية" ورغم كل ذلك لم تحرك الهيئة العليا للمهنة او جمعية المحاسبين القانونييين ساكنا على الرغم بان من اهداف الجمعية بموجب المادة 8 من القانون "تشجيع البحث العلمي والمهني في مجالات المهنة المختلفة".
4- المادة 30/ب وهنا اريد ان اوجه السؤال التالي : لماذا يقصرهذا البند تعيين محاسبين على عدد محدود من الشركات فقط في حين يتوسع بالزام عدد هائل من الشركات والجهات الاخرى في البند 30/أ بتعيين مدققين؟ وهل يوجد تدقيق دون ان تسبقة محاسبة؟ الجواب لا. اذن اقترح كنص بديل للمادة 30/ب ما يلي: تلتزم نفس الجهات المذكورة في البد (أ) اعلاة بتعيين محاسب او اكثر من المسجلين في سجل المحاسبين المزاولين في كافة وظائف المحاسبة لديها. (اي تستبدل عبارة 30/ب بعبارة 30/ أ اينما وردت في القانون). ان التفكيربعمق في هذا البند يدل دلالة واضحة على ان الهدف منه كان منح المدققين بعض فرض عمل المحاسبين في مواقع ذات اهمية وتاثير بالغ في مهنة المحاسبة بكبرى الشركات (دون وجه حق اصلا)، على الرغم من غزارة ميدان عمل المدققين حيث لا ينافسهم احد في اصدار تقارير تدقيق مصدقة لاكثر من 70،000 جهة مكلفة بتدقيق حساباتها سنويا دون منازع، وباختصارلم يعد لهذا البند بصياغته الاصلية من مبرر خصوصا بعد نشوء تنظيم مهني وجمعية مستقلة للمحاسبين حسب توصيات اللجنة القانونية المعروضة امام السادة النواب، والله الموفق وهو نعم المولى ونعم النصير.