إن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي هو محل القدوة والأسوة ، كان يستقبل شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، باهتمام بالغ وعناية كاملة وقد ورد في الأحاديث الصحيحة التي رواها كبار أئمة الحديث مثل البيهقي وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم ، نموذج لطريقة استقباله صلى الله عليه وسلم لقدوم رمضان المبارك : "قال سلمان الفارسي رضي الله عنه : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخريوم من شعبان ، قال :”يا أيها الناس قد أظلكم شهر جعل الله صيام نهاره فريضة وقيام ليله تطوعا ، من تقرب فيه بخصلة من الخير ، كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة وشهر يزاد فيه رزق المؤمن ، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم بشيئ ، قالوا يا رسول الله ، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه ، فقال صلى الله عليه وسلم :”يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة ، أو على شربة ماء ، أو مذقة لبن ، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، استكثروا فيه من أربع خصال ، خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لاغناء بكم عنهما ، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله ، وتستغفرونه وأما اللتان لا غناء بكم عنهما فتسألون الله الجنة ، وتعوذون به من النار ، ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة” .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد بنفسه لاستقبال هذا الشهر العظيم بفرح وسرور بالغين هو يحث أصحابه على استقباله بكل ما يستحقه من تهيئة النفوس وتصفية القلوب ومن طموحات وآمال ومن تدبير وتشمير .
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ” (متفق عليه) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من صام رمضان إيمنا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه) . وهكذا كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يعد نفسه وأصحابه وأمته جميعا في كل زمان ومكان إلى الأبد لاستقبال سيد الشهور ، ولتأكيد معانيه العظيمة وانقضاء فترة التدريب بل يجب أن يكون كل فرد من المسلمين قد تزود منه بطاقات تضمن ديمومة تلك المعاني والدروس المستفادة من أعماق شهر القرآن والنور والفرقان ، مدى بقية الأيام والشهور والسنين من عمره .