كتب الدكتور سلطن الخضور مقالا بعنوان مواطن ووطن جاء فيه :أجمل ما في كلمة مواطن أنها مرتبطة لغة ومعنى بكلمة وطن، وأجمل ما في الوطن سعة صدره وعطائه الذي لا ينضب لكل من قصده، وعرف قيمته وعامله بمحبة واحترام . وأجزم أن أجمل بقعة في الوطن مسقط الرأس .وأحسب- دون عناء أو تفكير- علاقة المواطن بالوطن علاقة حب وعطاء متبادلين، وأجزم أن من لا يحب وطنه ولا يعطيه أقصى ما عنده من عطاء لا يستحق أن يتصف بكلمة مواطن.
لا شك أن كلمة مواطن لها وقع كبير على النفس، إذا فهمت على المعنى الحقيقي لها، وعدم النظر لها ككلمة مجردة، فارتباط الكلمة المباشر بكلمة وطن يكفي أن يجعل المرء يفكر بواجباته تجاه وطنه قبل أن يفكر بحقوقه، ببساطة لأن الوطن جامع واسع يجب النظر اليه بشمولية بما فيه من بشر ومن خيرات وثروات ولا ينظر أليه من زاوية المصلحة الفردية، وإلا أصبحت العلاقة علاقة مبنية على المنفعة والمنفعة فقط، مما ينحي جانبا المفهوم الصحيح لكلمة مواطن. وقد كنت ضربت مثلا في واحدة من المقالات السابقة عن علاقة المواطن بالوطن، صورة الفلاح البسيط الذي يشعر بالراحة أكثر حين يدخل الحقل ويخلع نعله ويبدأ العمل حافيا وكأنه لا يريد أن تفصل بينه وبين تراب الوطن قطعة من البلاستيك أو الجلد تسمى حذاء. وبمعرفة المعنى الحقيقي لكلمة مواطن وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، يستقيم الفرد وتستوي سلوكياته لأنه يحتسب كل جهد أو تعب أو نقطة عرق تسيل من بدنه لأجل وطنه، فالوطن حالة عطاء مستمرة لكن هذه الحالة تحتاج إلى من يكشف عنها ويستثمرها وأعطي مثالا على ما ذهبت إليه وهو على افتراض أن وطنا ما قائم على مناجم من الذهب، ألا يحتاج هذا الذهب الى من ينقب عنه ويستخرجه ويسبكه ويصنعة ويبيعة ويستفيد من إيراده، هل يمكن أن يخرج الذهب ويصنع ويباع دون جهد أو تعب من المواطن؟ إذن لا بد من جهد نبذله كمواطنين وهو الواجب للحصول على المنفعة وهي الحق.
والوطن كذلك حالة عطاء مستمرة إذ هو يعطي بالقدر الذي يعطى، فلا يمكن أن يتوقف الوطن لوحده عن العطاء دون تدخل المواطن، فعطاء الوطن لا ينضب، وإذا شعر المواطن أي مواطن يوما ما أن الوطن خذله ولم يعطيه ما أراد، عليه أن يتأكد من أمرين اثنين:- أولهما هل أدى هو كل ما يترتب عليه من واجبات تجاه وطنه ؟ فإذا كانت ألإجابه بنعم, فعليه أن يبحث عن الأمر الثاني، وهم الأشخاص الذين أخذوا زيادة على ما يستحقون من حقوق- وأحيانا دون جهد- فعليه أن يدرك أن حقه في رقابهم وليس في رقبة الوطن، لأن ما سلبوه عنوة هو حق من حقوقه وليس من حقوقهم. وعلاقة المواطن بالوطن، علاقة قابلة للنمو والتطور، فكلما زادت فترة استقرار المواطن بالوطن وزادت المدة الزمنية التي يقيم فيها المواطن بوطنه، كلما أصبحت العلاقة أكثر قوة وصلابة، فالطفل لا يدرك المعنى الحقيقي لكلمة مواطن إلا بتأثير الغير، والشاب قد تتلاعب بأفكاره العواطف وتتقاذفه الأهواء نتيجة للمراهقة الفكرية،فالفهم الحقيقي هنا مقرون بالأستقرار الجسمي والنفسي والعاطفي .ومن جانب آخر تقوى علاقة المواطن بالوطن ويصلب عودها كلما زاد التفاعل التوظيفي بين الطرفين، فالفرد عليه أن يوظف أقصى ما يستطيع من فكر وجهد ومال لخدمة الوطن، والوطن تلقائيا يوظف كل ما لديه لخدمة من يتفاعل معه ويعطيه بقدر تفاعلة معه.
ولا بد في هذا السياق من التمييز بين المواطن والمستوطن، فالمستوطِن من ترك وطنه الأصلي واتخذ مكانا آخر وطنا له، ومن غير المعقول هنا أن ينطبق ما ذكرناه عن علاقة المواطن بالوطن على علاقة المستوطِن بالمستوطَن، فهنا تكون العلاقة علاقة منفعة، تخلو من الحب والود، ولا ترتبط إلا بما يحقق المستوطن من فائدة، فإذا انتهت المنفعة بحث المستوطن عن مكان آخر يستفيد من خيراته.