يتصل بي كثير من الأصدقاء أو يبعثون رسائل لي ينبّهونني على تعليق أو بوست يعتبرونه ضدّي أو فيه غمز ولمز على حدائقي الغنّاء؛ فأضحك، والله أضحك قبل أن أقرأ؛ هذا إذا فتحتُ الفيسبوك وقرأتُ ونادرًا ما أفعل ذلك. والكثيرون المقرّبون منّي يعلمون أنني لا أتجوّل هناك ولا أحطّ رحالي عند أحد ومن يجيء عندي على الرحب والسعة فله منّي معجزة "اللايك".
يا قوم، أيّها المالكون شُققًا وفيلاتٍ ومولاتٍ وأنفاقًا وجسورًا و و و في شارع الفيسبوك المزدحم والذي لا نهاية له: ليس لي في هذا الشارع إلّا بسطة صغيرة لا يراها إلّا من قصدها وقلّب بضاعتها بحواسه المعروفة وغير المعروفة، وإذا ما أشغلتُ نفسي بما يجري في الزحام وتوقفتُ عند مرتزقة الاكتظاظ فسأخسر بسطتي التي هي رأس المال حتى لو لم يشترِ منّي أحد..!
أرجوكم، لا يبعثنّ لي أحدٌ عن شتيمة فلانٍ أو فلانة ولا عن غمزهما من وعن وفي قناتي فأنا منسجم تمامًا مع نفسي ولا أُجرّ ولا أُستجرّ إلى معارك الفيسبوك الوهميّة. لا انتصارات هناك إلّا انتصارات أصحاب عُقد النقص والذين أكل الدهر عليهم وشرب ومزّ وكزّ ولزّ، فهم يجدولون معاركهم كلّما نظروا إلى المرآة فرأوا فيها الوادي السحيق بدلًا من أن يروا السماء الثامنة..!
يا قوم، ذات يوم لبستُ بدلةً أنيقة وربطة عنق، فقادتني الأقدار إلى خيارين: أتوقف عن المشي أو أقتحم الطريق الترابيّ وأمضي فتتسخّ البدلة من غبار الطريق، فاخترتُ حاسمًا وجازمًا ألّا يوقفني غبارٌ مهما اتسخت البدلة بشرط بيني وبين نفسي ألّا انظر للبدلة كي لا أرى الغبار وما فعل بالبدلة..!
يا قوم، في شارع الفيسبوك تنهار عماراتٌ و ناطحاتُ سحابٍ ويتساقط المطرُ على الغبار ليضحي طينًا فقط يستجدي اللايك والشير والكومنت؛ بينما يبقى صاحب البسطة يلعب في ملاعب الحقيقة ويرتاح في "لعبة الهاند" وهم منشغلون في أمره.. وصدقت العرب حين قالت: أوسعتهم شتمًا وفازوا بالإبل، هذا بالإضافة إلى أنهم لا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت.؟