تقدم الكاتبة العربية الفلسطينية إيناس خورشيد فاهوم في كتابها "ضمّة من زعتر بري في جملة مفيدة"، مجموعة من الكتابات الصوفية، منطلقةً من فلسفةٍ عميقة لمعماريّة تثق بعالمها، وترسم خطوطه، ومعالمه، وحدوده بدقة المعمارية وصانعة الجمال.
تتلون الأفكار وتتسارع وتتنوع وتتداخل في الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" بالأردن؛ مؤشرةً على إبداع متشابك كغابة استوائية، وهي أفكار ذات بعد أخلاقيّ واعٍ يحمل أحلاماً وسع السماء زرقةً وعمقاً، وسمق الغابات الاستوائية المتعشقة غَوراً في الفضاء.
كل نص في هذه المجموعة التي تقع في 282 صفحة يمثل لوحة ملونة معبّرة، وقصة سردية نابضة، حاملاً أفكاراً متجددة تحاكي حيوات عدة بتفاصيلها الدقيقة التي تحمل حياة شرعية بكل قوتها.
نقرأ للفاهوم في أحد النصوص:
"على عتبة النَّصِّ
هناكَ دائماً
أنت
كلّ الضمائر تعود عليك.
أحياناً كثيرة
تكون
أنتَ الصوت..
وأحياناً أخرى
العطر..
هذا الصباح
أنتَ شمس حزيران
تشرق في قلبي
تجالسني على شرفة يومي
وأشرب قهوتي معك".
هذه النصوص اعتنقت روح الابتكار على مستويات عدة، ومنها الحالة النثرية؛ المفردة الجديدة غير المستهلكة؛ حالة الإدهاش؛ المفارقة فى النهاية بعيداً عن الرتابة. كل ذلك أخذ النص إلى عالم بطعم الإثارة؛ فكانت النهاية الرائعة.
نقرأ في نص آخر:
"يحدث
أن يُصاب البحر بالغثيان..
تنقلب الأمواجُ باتجاه الأفق
فتنجو الرمال.
ترتبك الحيتان
بين الأزرقين.
ويشرب ملحَهُ الماء
وبدلاً عن الأعماقِ
تختارُ اللآلئ
النزوح إلى الشطآن.
هكذا
عثرتُ عليك
ذات جَزْر".
تحرص الكاتبة على شفافية اللغة وانسيابيتها، مع ترك المجال مفتوحًا للتأويل، لا سيما أن النصوص جميعها لا تحدد مخاطَباً بعينه، وتنزع في جانب منها إلى الغموض الذي يستفز القارئ للبحث في دواخل الكاتبة وفهم الإسقاطات التي تحتملها الجُمَل.
كما إن الوحدة الموضوعية للنصوص التي تَجاوز عددها مئة نص يضيف إلى التأويل إمكانيات جديدة، فيغدو الكتاب أشبه بحديقة عملاقة، ذات ثراء وحيوية وغاية تسير إليها الكلمات:
"الكُلُّ يَعلَمُ أنَّك غامِضٌ
الكُلُّ يَعلَمُ عن حدائِقِكَ الغريبة
يقولون إنَّكَ تُربِّي بها أنواعاً من الضّحِكاتِ
لكِنَّكَ لا تَسْتَعمِلُها
الكُلُّ يتساءَلُ لِمَنْ تزرع كلَّ هذا؟
وأحياناً أنا أيضاً.
أمس كان موسمَ قَطْف الأزهارِ
الكُلُّ رأوكَ تقطف باقةً من الضّحِكاتِ..
وحدي أنا
سَمِعتُ أصواتَها تُدَوِّي
في قَلبِي".
يذكر أن إيناس خورشيد فاهوم كاتبة نشأت في قرية ترشيحا بالجليل الأعلى، وتقيم في مدينة الناصرة بالجليل الغربي.
تحمل درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية وتخطيط المدن، والماجستير في إدارة الأعمال (تخصص إدارة وتخمين العقارات).
تعمل في مجال الهندسة المعمارية وتخطيط المدن. تُرجمت بعض نصوصها إلى اللغة الألمانية ونُشرت في كتاب بعنوان "Orientalischen Seele" (روح شرقية) صدر عن دار الدراويش، كما تُرجمت بعض نصوصها إلى الفرنسية ونُشرت في كتاب بعنوان "FLORILEGE AU FEMININ" (قطاف نسائية) صدر عن دار مقاربات.