مع هبوب البرد الليلي الذي تسلل الى صدري .. وأنا ذات شتاء أتفقد سنوات عمري بعضها ذهب والأخر بقي، ذهبت الى صندوق أزرق مقفل مركون في زاوية غرفتي ... قلبته وفتشت فيه عن زمن مفقود من عمري ووقفت عندها عند ذكريات كتب حبرها أصدقائي وزملائي على لحاء الشجر ...
قمة الروعة والجمال وأنا استذكر روضة المنشية قبل ثلاثة وثلاثون عاماً ولم نكن وقتها ندفع الرسوم الباهظة لكي نرتاد هذه الروضة .. بالرغم من قلة الموارد انذاك إلا انها كانت تقدم خدمات بسيطة وجميلة ودون مقابل ومنها الارجوحة والزحلقة وبرميل كبير يحتوي على قطع خشبية تتشكل بها الالعاب ... حينما كانت سيدة من بنات قومي تصنع لنا البرغل البلدي مع اكواب الحليب على طاولات قصيرة وكراسي دائرية وقتها لم نعرف بعد الماكدونالز ... حينما لم تكن البيوت ذات اسوار عالية من الطين او الاسمنت وشبك معدني يحمي أخر الامنيات ... بل كان الطيب داخل كل حوش حيث زير الماء هو نصيرك حينما يشتد عليك خطب العطش عندها لم نكن نخشى الطاعون ولا السرطانات ...
نحن جيل مجبول بالصبر والتعب حيث كنا نرتدي كل الملابس وكانت القياسات معظمها فري سايز من اجل ان يلبس منها اكبر عدد من افراد الاسرة ... كنا نرتدي كل ما هو معلق خلف الباب ولم نكن نعرف للتو الخياط أو صاحب النوفوتيه ، و كان من يحمل الاوراق والطبشور للمعلم في صف اخر عد نفسه موازياً كمبعوثاً للأمم المتحدة ... جيل تربى على حب الاخرين حيث كانت الكرة التي نلعب بها ملك للجميع ولم نكن انانيين ... جيل ترعرع في الشمس لأن البيوت كانت ذات تشكيل بسيط ولم نكن بحاجة الى فيتامين (دي ) لأننا وصلنا الى مرحلة الاشباع منه ...جيل مشى الى المدرسة طوال السنه الدراسية ... جيل لم يعرف ال I pad ولا الالواح الذكية ولا social media … ولا smart phon ولم يشكو من كثرة الواجبات ونسخ الدرس عدة مرات وحفظ القصائد والأبيات الشعرية ولم يعرف المكتبات والملخصات والدوسيات ، جيل نسخ قطعة الدرس عشرون مره ... ياه ما أصعبها من لحظات عندما كنت تستعد للامتحان النهائي وتحفظ الكتاب ( بصماً ) من الجلدة الى الجلدة ودون مدرس خصوصي ... جيل يعتني بمجلات الحائط ولم يعرف الجوجل ... جيل لم ينهار نفسياً من عصا المدير او كف مربي الصف ... جيل لم يتأزم عاطفياً جراء الوضع المالي الصعب للأهل ... لم نعرف الاقساط المدرسية ولم ندرس في الامريكية والانجليزية من اجل تميز أكاديمي ... جيل همه ان يصل الى يوم بدء العطلة الصيفية من أجل ان ينعم بلعب القلول في زاروبة او تحت ظل شجره مروية ... لم نكن لنزعج المريض ونعمل تخميس بالسيارات لأن واسطة ركوب واحدة متوفرة في كل الحارة ... ولم نأكل من تينة الحاجة ام عبدالله دون خوف أو وجل وكنا نعيش امتع اللحظات ... نحن جيل ابتاع العوامة والقضامة ولم نعرف sea food والفلافل ... كنا نؤمن على انفسنا اكثر من الآن فلم يكن للباب مفتاح بل بيوتنا كلها مشاع لمن يبحث عن لقمة تسد جوعه اواخر الليل لأنه أينما تجد راحتك فكل البيوت بيتك ، لم نكن نسجل للبعض الزلات او الخطأ بل تربينا على الصفح والتسامح ... نتقاسم لقمة العيش بمحبة ... ونشارك بعضنا الافراح والأتراح ولم نكن نشعل التلفاز عند وفاة البعض إلا بعد مرور اربعون يوماً ... ياه لقد ذهب الزمن الجميل دون استئذان ...
حياتي وان رافقها بعض التضحيات والكد والتعب إلا أنها جميلة او اتعلمون لماذا لأنها في الأردن وتحت سقفه ... وطني أيها الباحث عن شئ من المحبة ممن تنكروا لك وجحدوا عليك وانت ما زلت لهم الأم الرؤوم .... لك الله يا وطني