قد يصعب على المرء استشراف المستقبل القادم أو التنبؤ بما هو آت لمعرفة قادم الايام، المستقبل يبقى مجهول الهوية لحين الدخول الية، وحتى نوافذه تبقى مظلمة ويصعب رؤية ماهيتها كلما كانت مستويات الاستهداف المعرفية ابعد وابواب التكهن بما تحمله عناوينها من أنباء تبقى مختزلة برسم الإجابة، لحين تحويل المستقبل من ظلمة الى نور بدخوله اليك .
صحيح أن المستقبل مخلوق موجود لكنه يبقى غير معروف ولا معرف وأبوابه تبقى موصدة من الصعب رؤية ما يحمله يقينا إلا عند وصوله بالتوقيت المكتوب أليك، عندها يتحرك المستقبل من منزله الكامن الى دنيا الواقع ولا يصبح حاضر الا عندما يتنفس بعد بزوغ الفجر وشروق ضياء المعرفة عندها تضحى أجواءه موجودة وتصبح معايشته ممكنة .
لكن هنالك علوم معرفية قادرة على التنبؤ بالمستقبل، وعلوم اخرى فلكية تستطيع الاستبصار، وعلوم لامورائية جبرية ولوغارتمية قادرة على استشراف الأفق المنظور وقراءة ما هو آت من بحر المستقبل المنظور، قبل تحويل ظلمة الأوامر التى تحملها أشعة ألضياء من خزائن القضاء الى حواضن القدر.
ذلك لان معادلة الحاضر تقوم على متغير الحركة، ومعادله المستقبل تبقى كامنه كونها مسكونه بمنزله ألمعلومة ألموجودة ألتي مازلت غائبه عن عين المشاهدة حتى تحضر لعالم الوجود، الذي بدره ينقلها من اللامورائية الى الرؤية ومن ثمة الى الوراء عندما تصبح فى مخازن الماضي الذي لا يمكنه التحرك لعدم احتواءه لعناصر فاعلة تجعله يصدر طاقة التفاعل األتي تعتبر المكون الأساسي في الحياة.
وهذا ما يمكن مشاهدته عن قراءة تاريخ حركة الإنسان العربي فى بيئته وحواضن معرفته، وقياس درجة تفاعله مع محيطه الثقافي و بحور المعرفة المكتسبة من منطقة تعيش على إيقاع اهتزاز دائم، وتتغير معالمها بطريقة مستمرة حتى غدت مجتمعاتها في هجرة دائمه وتنقل مستمر لأسباب موضوعية أو نتيجة عوامل الذاتية تبحث عن الرزق والاستقرار والمعرفة.
وهو ما جعل التركيبة الديموغرافية العربية تعيش خلطة الهوية الفرعية، فمن كان بالأمس حجازى أصبح اليوم مغربي، ومن كان حتى وقت قريب شامي بات فى هذه الايام مصري، ومن تربى على البدوية النجدية باتت ثقافته غربية وميوله عصرية، ومن كان يتفاخر بجاهه وسلطانه وحسبه ونسبه اصبح قوامه في غير فى غير مكان، لان متغير الحياة دار دوائر الاستدارة على الحال حتى أصبح الانطباع واقع او اصبح المتغير ثابت بعنوان الحاضر .
وسيبقى المتغير يشكل الحاضر طالما بقيت الحركة و ما دامت الحياة تطوى ملفات المستقبل للماضي بأطواره، و ستبقى الحياة تبدل فى تغير مستمر بعماد حركة الحاضر، وتقتات بوقود شمس الأيام التي تأجج عن مولدها خزائن ألمستقبل بانفجار أوامر حركية تقوم على بعث شعاع الفضاء بأوامر قدرية تحمل الانسان ولا يحملها، وتاتى بالاقدار للمرء حيث يكون وكيفما هالته.
فإذا كان على بحر كان رزقه من حواضنه، وان كان يعيش على جبل اخذ منه طاقته وقوته، من كان يعيش فى قصر جاءه ضياء المعرفة لتنير له بصيرته وتجعله قادر لإدارة الموجودات وتوظيف القدرات وتحقيق امنيات سخرها الخالق له لتحقيق الامنيات وتجسيد التطلعات ...هو ما يجعل المسائلة على قدر العطاء.
الأمر الذي جعل من العطاء وقوة المثابرة عنوان الحياة، ومن مضمون معادلتهما تحقيق الذات، ومن المحصلة تتغير الاوضاع وتكون مطاوعه لقوة الارادة فى جعل الرؤية واقع والبصيرة حقيقة مشاهدة عبر تجسيد التصور بصورة مرسومه من ميزان وحى المعرفة الذى يقوم على الاصرار بمواصلة مشوار المثابرة، بتقديم العطاء تلو العطاء بثقافة التفكير الايجابي والعمل البناء المقرون بحسن العطاء.
وهو ما يمكن مشاهدته من خلال التضحيات الجسام التى جعلت من الارادة الفلسطينية فى حرب غزة تجعل من المستحيل ممكن، ومن الصمود نصر، ومن صوت العدالة يهزم صوت الجبروت والقوة، فتحقق انتصار بمضمون اعجاز فى الدفاع والردع فى موقعه أخذت تشكل علامة فارقة للإنسان العربي، وترسم صورة هويته وصلابة إرادته بتقديم رسالة ... وهو ما جعل المواطن الفلسطيني فى غزة يقدم لنا كل يوم درس فى العطاء، بمنزلة التضحية ومعنى الدفاع بمقام الفروسية ومعاني التضحية بمقام الصبر الذى معه اليسر والنصر.
وهو ما جعل الأمير الحسين ولي العهد يقول فى اول ايام السنه "غزة تعلمنا كل يوم معنى العطاء" ... مع بزوغ شمس هذا العام الذى نتمناه أن يحمل بشائر خير، وفيه تتحقق الامنيات ويعم الفرح ويزول الغم ويزال الاحتلال عن فلسطين الضفة والقدس وغزة القطاع، وينعم الأردن بعز فى ظل قيادته الهاشمية والامه العربيه بمجد وقد حققت تطلعاتها بالنهضة والرفعة.