سياسة امريكا المتعاقبة مع القضايا الدولية تتعامل معها بازدواجية فاضحة، حيث ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان في العلن، بينما تمارس في الخفاء سياسات استعمارية تعتمد على القوة والابتزاز السياسي. ومؤخرًا، جاءت التصريحات العبثية لمبعوث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي طالب بكل وقاحة الأردن ومصر بإيجاد بديل لتهجير الفلسطينيين، بعد رفض البلدين استقبالهم على أراضيهم. هذه المطالب تكشف الوجه الحقيقي للسياسات الأمريكية، التي لا تتوقف عن دعم الاحتلال الإسرائيلي، حتى لو كان الثمن اقتلاع شعبها عن اراضيهم..
يبدو أن مفهوم "الأوطان” عند ترامب لا يتجاوز كونه رقعة جغرافية تُستغل اقتصاديًا وسياسيًا، دون أي اعتبار للهوية والتاريخ والحق في العيش الكريم. فمن جهة، يواصل ترامب سياساته المتطرفة ضد المهاجرين في بلاده، مانعًا دخولهم ومُرحلًا الآلاف منهم بحجة الحفاظ على "أمن أمريكا”، ومن جهة أخرى، يدعم تهجير الفلسطينيين قسرًا من أراضيهم، ضاربًا بعرض الحائط القوانين الدولية وحقوق الإنسان.
هذا التناقض يكشف الوجه الحقيقي للسياسات الأمريكية، حيث لا تقوم على مبادئ العدالة، بل على موازين القوى والمصالح الضيقة. فحين تكون الهجرة غير الشرعية تهديدًا في نظر ترامب، يصبح التهجير القسري للفلسطينيين "حلاً مقبولًا” يخدم الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته التوسعية.
ليست هذه المرة الأولى التي تعبث فيها أمريكا بمصير الشعوب، فهي الدولة الأكثر دموية في التاريخ الحديث. فمن فيتنام إلى العراق، ومن أفغانستان إلى سوريا، لم تتوقف واشنطن عن تصدير الحروب، وتدمير الدول، وزرع الفوضى، لتبقى سيدة الموقف في عالمٍ تحكمه المصالح والقوة العسكرية.
حروب خاضتها أمريكا وتركت دمارًا هائلًا:
1. الحرب الكورية – قصف واسع النطاق أدى إلى مقتل حوالي 3 ملايين شخص، وتدمير البنية التحتية بالكامل.
2. حرب فيتنام – استخدمت فيها أمريكا أسلحة كيميائية، وقتلت أكثر من 3 ملايين فيتنامي، لكنها خرجت مهزومة بعد سنوات من الدمار.
3. غزو العراق – بحجة امتلاك العراق "أسلحة دمار شامل”، دمرت أمريكا البلاد بالكامل، وقتلت أكثر من مليون شخص، وتركت العراق في حالة من الفوضى.
4. الحرب في أفغانستاناستمرت 20 عامًا، وانتهت بانسحاب أمريكي كارثي، تاركة أفغانستان في حالة أسوأ مما كانت عليه.
5. الحرب في ليبيا (2011) – أطاحت بالنظام الليبي، لكن النتيجة كانت انهيار الدولة وانتشار الفوضى والجماعات الإرهابية.
6. التدخل في سوريا (2014 - حتى اليوم) – تحت ذريعة "محاربة الإرهاب”، نفذت أمريكا عمليات عسكرية أودت بحياة آلاف المدنيين ودمرت مدنًا بأكملها.
7. الحرب في يوغوسلافيا (1999) – قصف مكثف أدى إلى تفكك يوغوسلافيا، ومقتل آلاف الأبرياء، وانهيار البنية التحتية.
في القرن الحادي والعشرين، كنا نظن أننا تجاوزنا عصور الاستبداد والاستعمار، لكننا عدنا إلى الوراء. أمريكا لم تتغير، هي فقط استبدلت الاستعمار العسكري بالاستعمار السياسي والاقتصادي، تُقرر مصير الشعوب، وتحدد من يحق له العيش ومن يجب أن يُهجر، وكل ذلك باسم "الأمن القومي” و”الديمقراطية”.
إلا أن ما تغفله أمريكا هو أن الشعوب لم تعد تقبل الظلم بسهولة، وأن الاحتلال والتهجير لن يكونا أبدًا الحل. الفلسطينيون صمدوا رغم كل المجازر، والعراق أعاد بناء نفسه رغم الدمار، وفيتنام تحولت إلى دولة مزدهرة رغم الجراح. هذا دليل على أن الاحتلال والاستعمار مصيرهما إلى زوال، مهما طال الزمن.