الزمان، الأول من شعبان، وحيث الثلث الأول من شباط ما زال يمتد بين ثنايا خمسينية الشتاء في بلادنا، والمكان فوق مروج المفرق، حيث تنتشر السهول كبساط الخير، وتنبت التلال بأول الزهر.
الرائد الطيار عمر العبادي والنقيب الطيار محمد الخضير، انطلقا بطائرتهم يرتفعان فوق الغيم، يلحظان أول الورق الندي وهو يزهر فوق شجر بلادنا، يعرفان هذي السماء ويعرجان في دروبها، وكم كان الريح عصيّاً، وكم واجها أول نسائم الصباح، وكم عرفا كيف تولد الشمس من مشرقها وهما يطيران بجناحيهما، ويجوبان بلادنا ويعرفونها مثل ظاهر يدهم.
في عرف نسور سلاحنا الجوي، لا مكان للخوف، فقلوبهم ملأى بالإيمان بالله، وأن الوطن لا يكبر إلا بالتضحية والفداء، وكلما علقا نجمة جديدة، كانا يخطفانها من نجمات الصبح، فتغزلها لهما أم رؤوم أو أخت حنون حتى تزهو بهما في بدلاتهما العسكرية، حيث الجيش أول مدارج الفخر والبطولة، فاكتسبا هذا الفخر، ولافخر مثله في عرف أبناء القرى والبوادي.
قد تخون الفرس فارسها، لكن الشجاعة لم تخونهم، بل كانوا على قدر أوطانهم وبلدهم بهم، سقطت الطائرة، لكنهما عمر ومحمد ارتقا في السماء بجناحين من ألق وعبق وكبرياء، ارتقا فوق الغيم حتى غابا في الشمس مثل نسر ذهب يستقر في شاهقات الأعالي.
فسلام عليكم، سلام على الشهيدين الرائد عمر العبادي والنقيب محمد الخضير، سلام على أرواحكم الندية، التي التحقت بأرواح الشهداء من سبقوكم، فراس العجلوني وموفق السلطي، وعلي الحراسيس، وعايد الدعجة، وتيسير الزيود، وكل رفاق السلاح الذين سكنوا الروح والذاكرة، وسجلوا أروع البطولات، وظلوا على الدوام شواهد حق على معنى الروح الأردنية الخالدة، هم مضوا وقدموا ما عليهم، وما بدلوا تبديلاً.