عام مر كلمح البصر رغم الأحداث الجسام والتي عصفت بنا وبأمتنا العربيه , بين سوريا والعراق ولبنان والسودان كيف سنستقبل شهرنا الكريم هذا العام؟ هل سنستشعر روحانيته ونشعر بأن نسائمه تهب علينا ؟ هل سنفرح بقدومه ونستعد لإحياء لياليه؟ وهل قمنا بالتحضير له بشحذ الهمم للتعبد وترتيب قوائم الصدقات؟ وهل سنشعر بفرحة الصائم عندما يفطر، وبسعادته عندما يفطّر للصائمين، وعندما نتبادل التهاني بشهر الخيرات؟
تعصف أسئلة محرقة بأرواح أخوتنا في غزة، حيث يفقدون حياتهم ليل نهار، تُهدَّم بيوتهم، وتُقصَّف مستشفياتهم، وتُغلَق منظمات الأمم المتحدة سبل مساعداتها بأسباب متعددة. نحن نسعى جاهدين لمد يد العون، لأهلنا في غزه حيث يقود الأردن حملات أغاثيه جوية عظمى لتُشجِّع دولًا أخرى على المشاركة في هذا الجهد. لكن هذا لا يكفي، فالأمر يتطلب فتح المعابر ووقف آلة الحرب التي تفتك بالأطفال والنساء وكبار السن لأكثر من خمسة أشهر متتالية.
إنه حقًا من المؤلم والمذل والمهين أن ترى الأمتين العربية والإسلامية، بحجمهما الهائل وإمكانياتهما الكبيرة وجيوشهما الجرارة، عاجزتان عن مساعدة أهل غزة الذين يتعرضون للقصف والحصار والجوع والموت. إنها صورة محزنة ومهينة للغاية، حيث يظل الأهل في غزة يعيشون في حالة من العجز والتهميش، وهم يتعرضون للاضطهاد بدون مساعدة من الأمم والدول الكبرى
نعم، ينبغي لنا أن نتعامل مع شهر رمضان بالطريقة الصحيحة والمناسبة، كما يجب على كل مؤمن أن يتعامل معه . إنه شهر القرآن والصيام والقيام والصدقات وفيه الفرصة للتقرب إلى الله وللتأمل والتفكر في آياته وفضله. ولنا في غزة دروس وعبر عديدة يمكن أن نستفيد منها في هذا الشهر الكريم، ويجب أن نستمد العزيمة والإصرار من تجاربنا ومن تاريخنا العريق لنواصل الصمود والنضال من أجل العدالة والحرية.
إنه حقًا أمر محزن ومأساوي أن تتعرض أمتنا لحروب إبادة شرسة وقذرة، التي لا تستهدف فقط الحياة والبنى التحتية، ولكنها تستهدف الإنسان بصورة كاملة، سواءً من حيث الفكر والعقيدة وأسلوب الحياة. في هذا السياق، تتعرض مجتمعاتنا لمحاولات قوى غربية لفرض أجنداتها، مثل النسوية القسرية وترويج الشذوذ الجنسي، ومحاربة الحجاب والعفة.
تلك المحاولات ليست سوى محاولات للاستعمار الفكري وتهميش هويتنا وقيمنا الثقافية، حيث تسعى تلك القوى لتحويل مجتمعاتنا إلى حالة من التبعية والتقليدية، وتجبرها على المعاملة بشكل دوني وغير متساوٍ. إنها محاولات تنبعث منها روائح العنصرية والاستعلاء والاستكبار.
ولكن على الرغم من تلك التحديات الكبيرة، يجب أن نظل متمسكين بثوابتنا وقيمنا، ونواصل النضال من أجل الحفاظ على هويتنا وكرامتنا وحقوقنا، ونقاوم تلك المحاولات بكل قوة وإصرار. إنه واجب على كل فرد في مجتمعنا أن يقف صامدًا في وجه هذه الهجمات الفكرية الهمجيه الشرسه ويدافع عن هويته وثقافته بكل إقتدار وحزم.
تعتبر وسائل الإعلام التي تروج للفحش والخلاعة خلال شهر رمضان، والتي تسخر من القيم الإسلامية والملتزمين بها، جزءًا من الظاهرة الأكبر التي تهدف إلى زعزعة القيم والأخلاق في المجتمعات الإسلامية. إنها جزء من سياسة التطبيع والخذلان للقضايا العادلة والمقاومة للاحتلال.
تلك الوسائل الإعلامية تسعى إلى ترويج ثقافة الخضوع والاستسلام للمحتل والقوى الفاسدة، بدلًا من دعم المقاومة والتمسك بالقيم والمبادئ الإسلامية. ومن الضروري أن نكون واعين لهذه الظاهرة ونقاومها بكل الوسائل المتاحة، سواء عبر التوعية والتثقيف أو من خلال دعم الإعلام الذي يعكس القيم والأخلاق الحقيقية للإسلام. إن تعزيز الوعي والمقاومة لهذه الظواهر السلبية يعتبر جزءًا أساسيًا من التصدي لمحاولات التلاعب والتأثير السلبي على المجتمعات الإسلامية.
إننا في هذا الشهر الفضيل يجب أن نستغل هذه الفترة للتأمل والتفكر في أنفسنا وفي دورنا في هذه الحياة الدنيا. ينبغي لنا أن نتأمل أحوالنا ونراجع حساباتنا، ونسعى لرفع مكانتنا ومكانة مجتمعنا من خلال تحمل المسؤولية ونصرة المستضعفين والمحرومين.
رمضان هو فرصة عظيمة للتوبة والعودة إلى الله بصدق وإخلاص. إنها فرصة لزيادة العبادة الصالحة والتقرب من الله بالأعمال الصالحة والاستماع إلى كلامه المبارك في القرآن الكريم.
علينا أن نتجنب مظالم الدنيا وأن نستعين بالله في مواجهة التحديات والمحن التي نواجهها. يجب علينا أن نتقرب إلى الله بصدق ونبعد عن سبل الشياطين التي تحاول أن تبعدنا عن سبيل الله.
أسأل الله أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا في هذا الشهر الكريم، وأن يجعله فاتحة خير وبركة ونصر لأهلنا في غزة ولجميع المظلومين في كل مكان، وأن يتقبل توبتنا ويجعلنا من عتقائه من النار. آمين.