في مشهد مهيب، نقش في ذاكرة الأردنيين، يتوشح بأكاليل النصر العظيم، وأصوات مدافع الكرامة التي سطرها الرجال بدمائهم العطرة الزكية وهيبتهم العسكرية الفتية، تتعالى أصوات الجنود متضرعة لله الواحد الأحد، بأن يكون النصر حليفا لهم، وأن يكسروا شوكة الجيش الإسرائيلي المغرور، وتلقينه أقسى الدروس.
هناك في بلدة الكرامة، التي سميت بهذا الإسم تيمناَ بهذه الملحمة البطولية، تستحضر المعركة وتنصت إلى أزيز الرصاص، ودوي المدافع في أرجاء المكان، وتكبيرات فرسان الحق ممن أوفوا بعهودهم، وسطرت أسماؤهم في لوحة العز والشرف، الرقيب والعريف، والوكيل والضابط، والعسكري، جميعهم ارتقوا من رتبهم في الأرض إلى أعلى الرتب في السماء عند الله سبحانه وتعالى، شهداء في سبيل الله والوطن.
معركة الكرامة تاريخ لا ينسى، وقصة بسالة الجيش الأردني لا يمكن محوها أو إنكارها، لأن العدو أوجعه درس الكرامة، ولا زال عاجزا عن إيجاد تفسير لها بعد أن نسفت حساباته وأفشلت خططه، التي تركها القادة الإسرائيليين خلفهم، ووجدها الجنود الأردنيون مبعثرة في ساحة المعركة، متوهمين وقتها أن النصر عملية سهلة، وسيكون طعام الغداء لقادتهم في عمان مسألة وقت، إلا أنهم تجرعوا الخيبة والفشل، بعد أن طردهم الجيش الأردني، تاركين ورائهم العتاد والقتلى دون تحقيق الهدف، وأثبت الجيش الأردني نظريته بأن الرجال هم الذين يمتلكون زمام المعركة بعقيدتهم القتالية وثباتهم وبسالتهم، حيث إنهم قلبوا المعركة لصالحهم، وأفشلوا خطط العدو الذي نسج الشعارات الرنانة، بأنه الجيش الذي لا يقهر، وقد كبده نشامى الجيش الأردني خسارة كبيرة، وبعثر نظرية الجيش الذي لا يهزم، بعزمه وإرادته، فعندما نادى الشهيد الملازم خضر شكري "ارمي سيدي الهدف موقعي" ترك برقيته الشهيرة عبر اللاسلكي لكل العالم بأن الجندي الأردني لديه أعلى درجات الشجاعة لحسم المعركة، وأن روحه رخيصة من أجل الوطن وأجل القضية الفلسطينية التي كانت وستبقى قضيته إلى أن يشاء الله.
هذا وستبقى معركة الكرامة، في صفحات التاريخ، ووجدان الأردنيين والعرب، ولن تمحوها الأزمان وستبقى دماء الشهداء من الجيش الأردني شاهدة على هذه المعركة التي كانت وما زالت علامة فارقة في الصراع العربي الإسرائيلي، وستبقى الأردن، أرض العز والشهامة تنبت كرامة.