الصدق ثمرة الإخلاص والتقوى ومن أعظم الأخلاق التي يتصف بها الإنسان، والصدق في الأقوال يؤدي بصاحبه إلى الأعمال الصالحة والالتزام بالحق قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)، «سورة الأحزاب: الآيتان 70 - 71»، لذا كان الصدق محل عناية القرآن، فقال تعالى موجهاً نداءه لكل من آمن به: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، «سورة التوبة: الآية 119»، دلالة على أن المجتمع الصادق هو مجتمع ناجح. الأمر الإلهي بالصدق ويقول الدكتور عبد الفتاح عاشور - أستاذ التفسير بجامعة الأزهر: ورد الأمر الإلهي بالصدق في القرآن الكريم في آيات عدة، منها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، «سورة التوبة: الآية 119»، أمر من الله تعالى للذين آمنوا بأن يكونوا مع الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم لأن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة والله سبحانه وتعالى أنعم على المؤمنين بالصدق قال تعالى: (. . . ذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ . . . )، «سورة المائدة: الآية 119»، وقال الله تعالى: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، «سورة المائدة: آية 119»، فصدقهم في الدنيا ينفعهم يوم القيامة وينجيهم من النار، والصادقون هم الذين استقامت أعمالهم وأقوالهم ونياتهم على الصراط المستقيم والهدي القويم، ولذلك يجدون يوم القيامة ثمرة ذلك الصدق إذا أحلهم الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر، والكاذبون، يجدون ضرر كذبهم وافترائهم وثمرة أعمالهم الفاسدة ويقول تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً)، «سورة الإسراء: الآية 80». وقال سبحانه وتعالى: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، «سورة آل عمران: آية 95»، أمر من الله لرسوله ولمن تبعه أن يصدقوا الله بألسنتهم معتقدين بذلك في قلوبهم عن أدلة يقينية وأن أعظم الناس تصديقاً لله أعظمهم علماً ويقيناً، ولذلك قال سبحانه وتعالى: (. . . وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً)، «سورة النساء: آية 87». فضل الصدق وجاءت السنة النبوية المشرفة بأحاديث كثيرة تتحدث عن فضل الصدق منها: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً،» قال الله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)، «سورة البقرة: آية 177». تربية الأولاد على الصدق والإسلام يوصي أن نربي أطفالنا على الصدق حتى يكبروا على هذه الصفة الحميدة ويتعودوا عليها في أقوالهم وأفعالهم، قال عبدالله بن عامر: دعتني أمي يوماً ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في بيتنا فقالت: تعال أعطك فقال لها - صلى الله عليه وسلم: «ما أردت أن تعطيه» قالت: أردت أن أعطيه تمراً، فقال لها: «أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة»، وعن عائشة أم المؤمنين - رضى الله عنها - قالت: «ما كان خلق أبغض إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكذب ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة، فلا يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث فيها توبة». مثال وقدوة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثالاً وقدوة في الصدق، فقبل بعثته لقب بالصادق الأمين، فقد كانت قريش تستودع رسول الله حوائجها وكانوا يأتمنونه على أشيائهم وأسرارهم، وعندما أمره الله بإنذار عشيرته الأقربين صعد على جبل الصفا وقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً، كما شهد بصدقه أكثر الناس عداء له وهو النضر بن الحارث الذي قام خطيباً في سادة قريش، قائلاً لهم: يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة وشهد له رب العالمين على صدقه - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)، «سورة الزمر: الآية 33»، فالذي جاء بالصدق هو نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد له رب العزة بذلك. الصدق وقت المرح والفكاهة وكان حال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في وقت الحرب الصدق مع أنه أجاز فيها الكذب على الأعداء اتقاء لشرهم ودفعاً لضررهم، ولكن رسول الله لم يقل إلاَّ صدقاً حتى في وقت المرح والفكاهة، فعن أنس بن مالك أن رجلاً أتى النبي فاستحمله فقال رسول الله: «إنا حاملوك على ولد ناقة»، قال: يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة؟ فقال رسول الله: «وهل تلد الإبل إلا النوق؟».