لقد كتبت عن أبي يحيى عنوة لبعض الجوانب الإجتماعية الخاصة والمخفية بناءً على خبرتي في الكتابة عن قامات التربية والتعليم والإعلام التربوي؛ ليكون قدوة للأجيال الحالية في العطاء والسخاء والنخوة والتعامل الأخوي .
دأب الفاضل أبا يحيى على مساعدتي بصورة مبطنة عندما كان مديرا لمدرستي، و ينتظر نهاية الدوام بسيارته الخاصة لكي يوصلني إلى بيتي البعيد عن المدرسة ؛ وذلك لأنني لا أملك سيارة في ذلك الوقت أو حتى مصاريف أجرة التاكسي ؛ كوني في فترة إدارته لمدرستي قبل (١٠) سنوات أمر بظروف صعبة، فقد عمدت إلى شراء بيت قديم جدا أدفع من راتبي للبنك ٢٢٠ دينارا و١٠٠ دينار جمعية تكلفة عمل الصيانة للمنزل القديم المتهالك ولدي عائلة وابنتان فترة الحضانة و الطفولة ويحتجن لمصاريف كلكم تعرفونها .
وفي جانب آخر يقوم فترة الإستراحة بين الحصص بالذهاب إلى السوق وإحضار سندويشة لكي أفطر عليها ، حيث كان يلح علي كثيرا ويعطيني إياها عن طريق طالب لإيهام المعلمين أنني اشتريتها من المقصف وحتى لا أتعرض للإحراج .
بعدها عندما كنت مسؤولا للإعلام التربوي وتفريغي يومين في الأسبوع للعمل في قسم العلاقات العامة دأب كذلك على توصيلي بسيارته الخاصة لأي مدرسة تتواصل معي من أجل تغطية فعالياتها مهما كانت بعيدة ، حيث عمدت الطلب من مديرات المدارس بالاتصال به لكي يحضر الفعالية التي تقام في المدارس لأتمكن من الحضور. واستمر هذا الحال لسنتين حتى جاءني أحد الأيام وقال لي:" إن المديرة الفلانية تدعوني لحضور المناسبة ،وجرت العادة أن هذه المديرة لم يسبق لها دعوتي حتى عندما كنت مديرا مجاورا لمدرستها" !!!! وقتها ضحكت ضحكة طويلة وقلت له : " سامحني يا أبا يحيى إنني طلبت من المديرات بدعوتك حتى أضمن الوصول للمدارس كوني في مدرسة شبه نائية وحتى لا أتعرض للإحراج بوقوفك في السيارة تنتظرني " .
أجاب والابتسامة تعلو محياه:" لقد كنت أشك بتلك الدعوات ورغم ذلك أنا على استعداد تام لتوصيلك لأي مكان بغض النظر عن دعوتي" هكذا كان أستاذنا الفاضل تعلوه النخوة ورحابة الصدر ، لا بل كان يشجعني للذهاب وتغطية نشاطات المدارس .
وأذكر أنه رافقني لتغطية نشاط ولاحظ تمزق جاكيت البدلة من كثرة الاستخدام، فما كان منه إلا بالإشارة لي لكي أخلع الجاكيت و ذلك لتواجد الكثير من الحضور والمسؤولين ، وفي اليوم التالي طلب مني الحضور لغرفته وأغلق الباب جيدا وقال:" خذ هذه البذلة وتفقد مقاسها" وقد أتى بملابس أخرى وكان يقول :" أنت كاتب صحفي معروف لازم تلبس أجمل الثياب سواء احترمك الناس أم لم يحترموك بسبب كتاباتك السياسية التي لم تتفق مع البعض " . وكان يضيف عبارة :" مش عارف ليش محارب إعلاميا و إجتماعيا رغم أن كتاباتك نشرت خارج الوطن ومش عارف ليش وضعك هيك مابتستفيد من كتاباتك ومقالاتك إلا التهميش " وكان يصفن بي صفنة طويلة وبعدها بقول :" ما حاولت تتواصل مع المواقع الإخبارية في عمان حتى تعمل بها مش عاجبني وضعك المهمش هنا " .
نعم يا سادة يا كرام هكذا كان أستاذنا أبا يحيى ، فهو عملة فريدة نظرا لما احتوته سيرته من درر ، ومجوهرات، ولآلئ، فهو صعب عن بعد ، سهل عن قرب ، عندما تراه من بعد يعطيك إحساسا بالقسوة ، وعندما تقترب منه يتدفق الحنان و العطف و اللطف منه ، و سهولة تلبية الطلب دون تمييز ، و يعرف بأنه موسوعي في ثقافته يداوم على القراءة باستمرار و يعرف بسعة الإطلاع في مختلف المجالات متطوع في المساجد يؤم الناس في الصلوات وله صوت جميل حتى أنني في أحد المرات صليت في مسجد وأعجبني صوته لدرجة أنني لم أعرف أن للذي يقرأ القرأن هو الفاضل أبا يحيى .
ولد في الطفيلة عام (١٩٦٠ ) و درس الصفوف الأول والثاني والثالث في مدارس عمان منطقة الإشرافية ، ثم انتقل إلى الطفيلة ودرس في مدارسها الصف الرابع في دور الباشا قديما، ثم انتقل إلى مدرسة الشيخ أحمد الدباغ ودرس فيها الصف الخامس و السادس الإبتدائي و هذا كان في أوائل السبعينات و كان مديرها الراحل طاهر الزرقان ، ثم انتقل إلى مدرسة الطفيلة الإعدادية في منطقة البرنيس ودرس فيها من الصف الأول إعدادي والثاني إعدادي والثالث إعدادي و كان مديرها في ذلك الوقت الراحل لطفي الحوامده.
بعدها انتقل الى مدرسة الطفيلة الثانوية وهي بلاط الشهداء حاليا ودرس فيها الأول الثانوي والثاني الثانوي فرع الأدبي وتخرج منها سنة (١٩٧٩) بمعدل (٧٨) الخامس على اللواء في ذلك الوقت و كان مديرها الراحل سلامه العودات .
وفي عام (١٩٧٩) التحق بالجامعة الأردنية ودرس فيها بكالوريوس شريعة وتخرج منها سنة (١٩٨٣)، ثم بعدها التحق بخدمة العلم ومكث سنتين .
وفي عام (١٩٨٦) تم تعينه في سلك التربية والتعليم في مدرسة غرندل الأساسية للبنين، حيث مكث فصلا فيها، وتم بعدها نقله إلى مدرسة النويري في البرنيس وكان مديرها المرحوم محمد المرايات .
وفي عام (١٩٨٧) انتقل إلى التدريس في مدرسة الطفيلة الثانوية للبنين و كان مديرها الراحل سليمان الهريشات ، و في سنة (١٩٨٨) انتقل إلى مدرسة الأمير الحسن الثانوية للبنين لكي يدرس الفرع الشرعي والأدبي والعلمي في ذلك الوقت ومكث فيها حتى سنة (١٩٩٠ ) .
بعدها انتقل إلى مدارس عمان حي التاج في مدرسة التاج الثانوية للبنين ، ومكث فيها سنة ، ثم بعدها انتقل إلى الطفيلة ومنها إلى مدرسة عيمة الثانوية للبنين ، ومكث فيها سنتين، وكان مديرها الأستاذ فرحان الزيدانيين، ثم بعدها انتقل الى مدرسة الأمير الحسن الثانوية للبنين .
بعدها تم تعيينه فيها مساعد مدير ، بعدها انتقل إلى مدرسة العيص الثانوية للبنين مساعدا، بعدها تم تعيينه مديرا لها ومكث فيها سبع سنوات ، بعدها انتقل إلى مدرسة عرفة الأساسية مديرا ، ثم مدرسة ابن تيمية مديرا ، ثم انتقل إلى مدرسة الشيخ أحمد الدباغ حتى التقاعد و كان ذلك عام سنة (٢٠١٨) بعد خدمة في وزارة التربية والتعليم مدة إحدى وثلاثون عاماً، حيث شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية للصفوف الأول والرابع و كذلك في تحكيم المسابقات والأنشطة في تلاوة القرآن الكريم والحديث الشريف و كذلك كان عضوا في تجريب كتب الثقافة الإسلامية والعلوم الإسلامية للصفوف الأول والثاني الثانوي الأدبي ودرس دبلوم عالي في جامعة مؤتة .
يصنفه البعض كأحد أبرز مدراء المدارس ممن يتصفون بمشاركتهم في تحكيم مسابقات حفظ وتلاوة القرآن الكريم والحديث الشريف، فقد كان شغوفا جدا بالمشاركة رغم أن المشاركين في التحكيم هم من معلمي المدارس وليس المدراء .
كما يصنفه آخرون كأحد أبرز مدراء المدارس المشاركين في تأليف الكتب خاصة لمرحلة الصف الرابع الأساسي ، حيث يطبع اسمه على غلاف الكتاب مع مجموعة المؤلفين ، فهو من الجنود المجهولين الذين يعملون بصمت ، و تركوا أثرا ملموسا في نفوس ممن علمهم و خدم معهم أو ممن عاصروه خلال خدمته سواء في القطاع العام .
لفت الرجل الأنظار خلال الأعوام الأخيرة التي عمل خلالها كمدير نشيط يشجع على عمل النشاطات اللامنهجية والمشاركة فيها ، حيث يسجل للرجل الظهور الملفت لنشاطه المنقطع النظير على المشاركة في حضور وتحكيم صعيد الأنشطة اللامنهجية التي دأب على تفعيلها و تنظيمها خلال الأعوام الأخيرة داخل الطفيلة وخارجها .
معلم ناجح و إداري ماهر و تربوي يمزج ما بين القيادة الفعالة و الإدارة الحديثة و الإشراف المتطور من الطراز الرفيع و صاحب شخصية مثقفة لها باع طويل مليئة بالخبرات المتنوعة بحقولها و المختلفة بمقاديرها قدمت الكثير من الأساليب التربوية الحديثة و المهارات الحياتية و القدرات الممكنة للتعليم في المدارس التي كان فيها مديرا .
وصفه أحد المعلمين المتقاعدين عندما كان مديرا لمدرسة العيص الثانوية بأنه مدير ديمقراطي و قيادي منظم حيث يستمع لملاحظات المعلمين و يلبي مطالبهم وحاجياتهم . يحب التنظيم و يكره العشوائية ، يحب الإنجاز و المبادرات من المعلم و يقدر جهده ومنظما في إدارته ينفذ التعليمات الواردة إليه دون كلل أو ملل .
عرف القائد التربوي المرافي الذي يحمل شهادة البكالوريوس في التربية الإسلامية و دبلوم عالي ، بقربه من تلاميذه إبان كان معلما في مدارس وزارة التربية و التعليم خاصة ممن علمهم في المرحلة الأعدادية و الثانوية ، فقد كان يجيد فن التعامل مع طلبته .
تتلمذ على يديه الكثير من المسؤولين من سعادة و عطوفة و مدراء و معلمين يشهدون له بالبنان على عمله المخلص لمحافظة الطفيلة من تعليم و إدارة .
لم يُنصف الرجل عندما كان مديرا ناجحاً و قبلها معلماً تربويا في وزارة التربية و التعليم في محافظة الطفيلة ، حيث لم يستلم مديرا للتربية و التعليم في ذلك الوقت لأسباب غير معروفة رغم جهوده الكبيرة المكللة بالنجاح في قطاع التربية و التعليم و كونه من الرعيل الأول في محافظة الطفيلة حيث غادر الرجل قطاع التربية و التعليم إلى التقاعد بعد خبرة في مجال الإدارة و التدريس تجاوزت الإثنين و الثلاثين عاما
و اليوم بعد هذه السنوات نستذكر إنجازاته و تفانيه في خدمة قطاع التعليم لا سيما دوره المؤسسي في القطاع التعليمي والارتقاء في مستوى التعليم على صعيد العملية التربوية الشاملة ؛ ليكون هذا الجهد الذي قدمتموه عنواناً لشخصية القائد التربوي الذي اتصف بالإخلاص و مخافة الله في السر و العلن ، مثله كمثل زملائه الذين لا يقلون عنه في العمل و الجهد و الإخلاص . تلك القامة التي نذكرها انموذجا للمعلم التربوي التشيط والمدير الفعال والإداري الناجح الذي يسعى دائما نحو التطور و التقدم و الإنجاز .
مقدمين الشكر الجزيل لهذه القامة التربوية الجليلة على جهوده الرائعة على صعيد عمله في القطاع التعليمي ، متمنياً ل"أبو يحيى " مزيدا من التقدم و النجاح خلال المرحلة المقبلة إن شاء الله ؛ لخدمة أبناء بلده في القطاع التربوي و غيره و المساهمة في بناء الأردن العزيز في ظل القيادة الهاشمية .