حذر مراقبون من انعكاسات إقرار العراق قانون "مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي" على العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن والمجتمع الدولي، مبدين تخوفهم من عقوبات اقتصادية قد تفرض على بلادهم كرد فعل على القانون.
جاء ذلك بعد أن صوت مجلس النواب العراقي في 28 أبريل/ نيسان 2024 على قانون يجرم المثلية الجنسية والبغاء وعمليات تغيير الجنس والترويج العلني لمثل هذه الأفعال، وجاء هذا القانون كتعديل واسع النطاق لقانون البغاء في العراق لعام 1988.
وجاء القانون السابق لسنة 1988 بخمس عشرة مادة قانونية، إحدى عشرة منها فقط تضمنت أحكام وعقوبات مرتكبي أفعال البغاء، ولم يتوسع القانون السابق في تفصيلات وأنواع البغاء غير استعماله لمصطلحين اثنين، السمسرة وبيوت الدعارة.
ونصت أشد أحكام القانون السابق، في المادة (5) منه على الحكم بـ (15) عاماً لكل فعل فاحش بالإكراه والقوة والتهديد، فيما تضمنت الأحكام المتبقية أحكاماً من خمس حتى عشر سنوات.
أما القانون الحالي الذي أقره البرلمان العراقي، فقد تضمن خمسة مصطلحات في تفاسير تعابيره ومعاني المصطلحات فيه، ليشمل الزنا والشذوذ الجنسي بشقيه كما نص عليه القانون، المثلي، وتبادل الزوجات، وشمل المصطلح الثالث، التخنث، وصولاً إلى مصطلحات السمسرة وبيت الدعارة.
ويبدو أن إقرار قانون البغاء أثار غضب المجتمع الدولي وعلى رأسه واشنطن، إذ أعربت السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانوفسكي، عن "قلق" حكومتها بشأن القانون، مؤكدة أنه "يضعف قدرة العراق على تنويع اقتصاده وجذب الاستثمار الأجنبي".
منظمة العفو الدولية، من جانبها، حذرت من مغبة هذا القانون، وعدته "انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية؛ كونه يمثل خطراً على العراقيين الذين يتعرضون بالفعل للمضايقات بشكل يومي".
ومع تصاعد رفض المجتمع الدولي لهذا القانون، حذر مراقبون سياسيون وقانونيون من انعكاسات القانون على العراق، سيما في هذه المرحلة من التحولات الدولية التي يجري فيها الحديث عن حقوق بعض شرائح المجتمعات الغربية في تغيير الجنس وغيرها.
الخبير في القانون الدولي، حامد الجاف، حذر من عقوبات اقتصادية ومقاطعة دبلوماسية دولية قد تصيب العراق في حال تم استغلال "قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي" للتضييق على الحريات التي يفهمها المجتمع الدولي من منظوره.
وقال، الجاف، لـ "إرم نيوز"، إن "الحكومة العراقية يجب أن تستفيد من تجارب الآخرين في هذا المجال، وكان من الأجدر أن تعدل بشكل بسيط القانون السابق دون إثارة حفيظة المجتمع الدولي، وعدم تكرار تجربة (أوغندا) حين أقرت قانونًا يجرم الأفعال الجنسية المثلية، فتعرضت حينها إلى عقوبات اقتصادية من قبل البنك الدولي، مع فرض واشنطن قيوداً على تأشيرة دخول كبار المسؤولين الأوغنديين".
من جانبه، يرى المحلل السياسي حسام الوزان، أنه كان من الأجدر بالبرلمان تأجيل إقرار القانون إلى فترات أخرى، خصوصاً أنه جاء "في توقيت عودة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من الولايات المتحدة الأمريكية ومحاولته إعادة التقارب بين بغداد وواشنطن وفتح آفاق التعاون الاقتصادي والأمني بالشكل الذي يضمن جهود السوداني في الانفتاح على المجتمع الدولي".
شهدت جلسة التصويت على قانون البغاء لغطاً بين الأوساط السياسية، حيث انقسم المجلس لقسمين، الأول تمثل بالكتل السياسية الشيعية والتي أصرت بشكل كبير على المضي بإقرار القانون، وبين الكتل "السنية والكردية" التي طلبت التريث بالتصويت، آخذين بعين الاعتبار العلاقات الدولية للعراق.
وتضمنت المسودة السابقة لقانون "البغاء والشذوذ الجنسي، التي طرحت عام 2023، عقوبة الإعدام لمرتكبي العلاقات الجنسية المثلية، لكن تم سحبها من قبل رئيس البرلمان، آنذاك، محمد الحلبوسي، لتعاد صياغتها وترفع عقوبة الإعدام.
ولم يكن الحديث عن تشريع هذا القانون وليد اللحظة، ففي عام 2022 أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عن حملة توقيعات لمعارضة المثلية الجنسية في البلاد من خلال "الوسائل الأخلاقية والسلمية والدينية"، كما وصفها في بيانه حينها.
وأصرت كتل سياسية مثل، عصائب أهل الحق، التي يتزعمها الشيخ قيس الخزعلي على إقرار القانون، وعدت إقراره انتصاراً "للإسلام والدين وتعاليمه"، بحسب وصفها.
أما إقليم كردستان العراق، فقد كشف مصدر حكومي مقرب من رئاسة الإقليم، عن رسائل عبر وسطاء أرسلها الإقليم للمجتمع الدولي تفيد بأنه غير ملزم بالقانون الجديد الذي أقرته بغداد.
وأوضح المصدر بأن الإقليم سيتساهل في عملية تطبيق هذا القانون، مشيراً إلى أن "ثقافة الإقليم وعلاقاته الدولية تختلف بشكل جذري عما هو موجود وسط وجنوب العراق، وأن الحكومة تعرف مدى تأثيرات تلك القرارات على سمعة حقوق الإنسان في الإقليم".