في سابقة غير معهودة تقدَّم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، أمس الاثنين، بطلب لإصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وما إن تناولت وكالات الأنباء هذا الخبر حتى برز اسم خان وانتشر على مستوى العالم، خصوصًا وأن هذا الإجراء قد أغضب واشنطن، التي هدَّدت بفرض عقوبات على "الجنائية الدولية".
فمن هو كريم خان؟
أفادت تقارير بأن قرار خان بالحصول على أوامر الاعتقال، يتماشى مع تصميمه على إقناع المجتمع العالمي بأن المحكمة الجنائية الدولية سوف تلاحق مجرمي الحرب المزعومين خارج أفريقيا، حيث تركزت العديد من قضاياها، وهو ما يعطي انطباعًا عن شخصية تتسم بالحزم وتكافح من أجل العدالة.
تم تعيين خان، البريطاني من أصل باكستاني، مدعيًا عامًّا للمحكمة الجنائية الدولية في عام 2021، لولاية مدتها 9 سنوات، وفي عملية اقتراع سرية، تغلب البريطاني على مرشحين من أيرلندا وإسبانيا وإيطاليا ليفوز في الجولة الثانية من التصويت بدعم من 72 دولة، أي أكثر بعشر دول من العدد المطلوب البالغ 62 دولة، ليكون بذلك المدعي العام الثالث للمحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي الهولندية.
"مقاتل يجيد الخداع"
وكتبت مجلة "إيكونوميست" البريطاينة، آنذاك، تعليقًا على التعيين، إن "كريم خان يملك الإمكانات التي تكفل لأي مدع عام النجاح، إنه يحظى بالتقدير، مقاتل يجيد الخداع وذكي بصورة مخيفة، ويملك أيضًا عقودًا من الخبرة في القانون الجنائي الدولي.
ولد كريم أسد أحمد خان في مدينة إدنبرة في أسكتلندا يوم الـ30 من مارس/آذار 1970. وأخوه هو البرلماني البريطاني السابق عمران أحمد خان، الذي واجه السجن عامًا ونصف العام بسبب إدانته بارتكاب جريمة جنسية عام 2008.
والده سعيد أحمد خان، هاجر من باكستان إلى بريطانيا عام 1961، ودرس في كلية لندن الطبية، وصار استشاريًّا في الأمراض الجلدية، وعمل في إدنبرة.
في عام 1993 تزوج من ساهيبزادي ياسمين منى ابنة أحد أبرز رموز الجماعة الأحمدية القاديانية.
آيات من القرآن
ويعرّف خان نفسه بأنه عضو في الطائفة الأحمدية في باكستان، واستشهد بآيات من القرآن الكريم في عدة بيانات صادرة عن المحكمة.
درس خان القانون في كلية الملك جورج في جامعة لندن، وحصل على درجة البكالوريوس في القانون مع مرتبة الشرف، ثم التحق بجامعة كامبريدج، حيث حصل على درجة الماجستير في القانون الدولي.
شارك خان في تأليف كتاب "محاكم أرشبولد الجنائية الدولية"، الذي يعد مرجعًا للقانون الدولي وممارساته العملية في المحاكم الجنائية.
بدأ خان (54 عامًا) مسيرته المهنية في مجال القانون الدولي مستشارًا قانونيًّا لمكتب المدعي العام لمحكمة جرائم الحرب الخاصة التابعة للأمم المتحدة لكل من يوغوسلافيا السابقة ورواندا بين عامي 1997 و2001.
وبرز اسمه، على نحو خاص، عندما كان محامي الدفاع الرئيسي عن رئيس ليبيريا السابق تشارلز تيلور الذي كان يحاكَم بتهمة ارتكاب جرائم حرب أمام المحكمة الخاصة بسيراليون التي انعقدت في لاهاي لمحاكمة تيلور.
وفي اليوم الأول للمحاكمة عام 2007، خرج خان من قاعة المحكمة بشكل درامي مخالفًا أوامر القضاة بعدما أعلن أن تشارلز تيلور استغنى عن خدماته.
كما عمل خان عام 2016 محاميًا في هيئة الدفاع عن سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، عقب محاكمته بعد أحداث ما سمي بـ"الربيع العربي".
سافر خان بشكل متكرر إلى البلدان التي تجري المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات بشأنها، وأصبح أول مدعٍ عام للمحكمة الجنائية الدولية يزور منطقة حرب عندما زار أوكرانيا في مارس/آذار 2021، واللافت أن خان تحرك بسرعة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، بشأن جرائم الحرب المزعومة في أوكرانيا، إذ صدرت بحقه مذكرة اعتقال.
وفي ديسمبر/كانون الأول الفائت أجرى خان زيارة مهمة إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، وكانت أيضًا أول زيارة من نوعها يجريها مدعٍ عام للمحكمة الجنائية الدولية.
وخلال مسيرته القانونية التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، عمل خان في كل المحاكم الجنائية الدولية تقريبًا، واضطلع بأدوار في الادعاء، والدفاع، فضلًا عن العمل كمستشار للضحايا.
وعمل خان بعد ذلك في قضايا المحكمة الجنائية الدولية بشأن كينيا والسودان وليبيا قبل تعيينه في عام 2018 رئيسًا لفريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب تنظيم داعش في العراق.
التوتر مع واشنطن
اتسمت علاقة خان مع واشنطن بالتوتر، فالولايات المتحدة لم تكن راضية، على الدوام، عن أداء المحكمة، وبحسب وكالة "رويترز"، فقد بلغت معارضة المحكمة الجنائية الدولية ذروتها خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، عندما فرضت واشنطن عقوبات على أعضاء المحكمة، وحظرت الحسابات المصرفية للمدعية العامة السابقة فاتو بنسودا.
وفي علامة على تحسن العلاقات، تم إلغاء العقوبات في عهد الرئيس جو بايدن.
لكن تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة عاد للتوتر مجددًا مع مساعي خان لإصدار أوامر لإلقاء القبض على مسؤولين إسرائيليين كبار، إذ سرعان ما انتقد بايدن هذه المساعي ووصفها بأنها "مخزية".