أعلن جيش الاحتلال يوم أمس السبت، تحرير أربعة أسرى في عملية بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة شاركت فيها الولايات المتحدة، وأدت لاستشهاد أكثر من 200 مدني فلسطيني وإصابة مئات آخرين. وأدت إلى مقتل قائد العملية الميداني في وحدة أمان، "القائد" أرنون زامورا.
والمتابع لتحليلات الخبراء الإسرائيليين أو المحسوبين على المقاومة، فقد اتفقوا على أن عملية تحرير الأسرى كانت تكتيكية غير استراتيجية، أي أنها منعزلة بنتائجها وغير متدحرجة.
كأنها الفقاعة وقد أوشكت أن تفشل على يد كتائب القسام التي حاولت جاهدة تطويقها في كمين طارئ، باعتراف نتنياهو نفسه، لولا الحظ الذي لعب دوراً في نجاحها بالخروج سالمة من براثن المقاومة المتوثبة، رغم تضافر جهود كل من: شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، آمان، التابع لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وجهاز الأمن العام الإسرائيلي ،شاباك، الذي يتمتع بخبرة عالية في التعامل مع المناطق المكتظة ( ولا أدري من أين جاء بها وقد حصدت العملية كل هذه الأرواح) إلى جانب عناصر من المشاة ووحدات الإسناد المدفعي، والبحري والجوي.. وفرق استخبارية أمريكية وبريطانية، واستخدام شاحنة مساعدات من باب التمويه، مع التحضيرات المضنية من حيث حجم التدريبات لتهيئة الفريق من أجل تنفيذ العملية، التي أسقط في أتونها هذا الفريق المجرم، كل المحاذير المتعلقة بسلامة الأسرى، إذْ أنه لولا رأفة المقاومة بهم، لكانوا الآن في عداد القتلى! أو إقامة أي اعتبار للفلسطينيين العزل، ما أّدّى إلى أكبر مجزرة شهدتها غزة منذ ثمانية أشهر.. مذبحة النصيرات التي نجم عنها استشهاد أكثر من 200 مدني فلسطيني وإصابة مئات آخرين..
وهذا يثبت أن العملية نفذت لغايات استعراضية انتخابية وللتسويق المحلي بغية إخراج نتنياهو من عنق الزجاجة.. حيث ذيّلها بتوقيعه وهو على يقين بأنها مغامرة غير محسوبة، ولولا ثقته بأن بنية العقل المقاوم، وأخلاقه الإسلامية، لا تقوم على قتل الأبرياء والأسرى؛ لما أقدم عليها.. دون أن يدرك أيضاً، لضيق أفقه السياسي، بأنه أعطى المبررات للمقاومة كي تتخذَ إجراءاتٍ أشدَّ في التعامل مع الأسرى، دون أن تُمَسُّ إنسانيتُهُم.. حتى لا تثير أطماع الكابينت الإسرائيلي في مغامرة أخرى.
لكن الرياحَ لم تجرِ وفق مبتغيات نتنياهو الذي سعى من وراء عملية تحرير الأسرى إلى كسب تأييد الشارع الإسرائيلي؛ ليفاجأ بالعكس تماماً كونه عرّض الأسرى للخطر.
وإنه تم تحرير الأسرى الأربعة في غضون ثمانية أشهر ما يعني بأن تحرير أل 120 أسيراً ستمتد لعدة سنوات يكون خلالها قد تم استنزاف جيش الاحتلال تماماً.
والأنكى أن والد الأسيرة المحررة انضم إلى طوفان أهالي الأسرى حيث اكتظت بهم طرقات وساحات "تل أبيب" للمطالبة بصفقة أسرى تؤدي إلى تحرير ابنائهم، إلى جانب خروج مظاهرات عمت بعض المدن الإسرائيلية مطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو، حيث اشارت مؤشرات قياس الرأي في "إسرائيل" إلى أن ما يزيد عن 60% من الإسرائيليين يطالبون بإسقاطه في أيّة انتخابات محتملة.
وبعضهم وصف الضجة الإعلامية حول العملية بالمبالغ فيها؛ لأنها تثبت بأن حماس باتت هدفاً يصعب وأده تحت أرض غزة المليئة بالأنفاق المتفرعة كبيوت النمل.
العملية جاءت لتثبت أيضاً بأن الضمانات في أية عملية مفاوضات حول المقترح الأمريكي بشأن صفقة تبادل الأسرى مقابل التهدئة المستدامة غير آمنه، وأن الوسيط الأمريكي مشكوك في نزاهته، إذْ سقط في اختبار النصيرات بسبب الدور الأمريكي المكشوف في عملية تحرير الأسرى التي تسببت بمجزرة يندى لها جبين الإنسانية.
وحسب ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز"، قال مسؤول أمريكي: إن فريقاً من المسؤولين عن استعادة الرهائن الأمريكيين المتمركزين في "إسرائيل" ساعد الجيش الإسرائيلي في جهود إنقاذ الأسرى الأربعة من خلال توفير المعلومات الاستخبارية وغيرها من الدعم اللوجستي.
وتمت الإشارة إلى أن فرقاً لجمع وتحليل المعلومات الاستخبارية من الولايات المتحدة وبريطانيا تواجدوا في "إسرائيل" طوال فترة الحرب، لمساعدة المخابرات الإسرائيلية على جمع وتحليل المعلومات المتعلقة بالرهائن، وبعضهم مواطنون من كلا البلدين، وفق ما ذكر للصحيفة مسؤول دفاعي إسرائيلي كبير مطلع على الجهود المبذولة لتحديد مكان الرهائن واستعادتهم.
هذه مشاركة أمريكية كاملة في جريمة النصيرات، فكيف إذن يستعان بمن أشعل الحريق كوسيط في عملية إخماده؟ ما يضع واشنطن في موقف الخصم لا الوسيط في أية مفاوضات مقبلة حول الأسرى.
وهذا قد يصعب على حماس التفاعل مع مقترح بايدن بإيجابية، لا بل وسيحرج موقفي الوسيطين المصري والقطري.. وهذه نقطة خسرها نتنياهو الذي أغرق "إسرائيل" في مستنقع غزة" ويسعى لإطالة أمد الحرب في الوقت الذي يترك الباب موارباً للمفاوضات.. وهذا لا يتوافق مع حنكة حماس صاحبة الإرادة في ملف الأسرى وقد يمنح ذلك حماس العذر في إبداء تشدد أكبر أثناء المفاوضات غير المباشرة.
أما على صعيد قانوني.. فينبغي على محكمة الجنايات الدولية الإسراع في إصدار مذكرتي اعتقال بحقي نتنياهو وغانست.. وأن تشدد محكمة العدل الدولية باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، وفق قرار المحكمة الصادر في يناير 2024 بموجب الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا على "إسرائيل" بسبب حرب الإبادة والتطهير العرقي التي تشنها على غزة منذ السابع من أكتوبر.
ويكفي أن جريمة النصيرات وصل صوتها للعالم، وجاءت لتمنح المصداقية لقرار الأمم المتحدة الأخير الذي أدرج "إسرائيل" في قائمة الدول التي تمارس الإرهاب بحق الأطفال، إلى جانب داعش، وقد خابت مساعي الإعلام الصهيوني ومن يدور في فلكه، في طيّ تفاصيل المجزرة في سياق الحديث المسهب عن معجزة السوبرمان الإسرائيلي الذي حرر الأسرى بعد أكثر من عشر محاولات فاشلة، فبدا وكأنه طالبٌ فاشلٌ اعتاد الرسوب حتى جاءت فرصته اليتيمة بتحقيق درجة "هابطة"؛ لكنها ثمينة ووجدها تستحق منه كل هذه الضجة الإعلامية؛ التي وصفها البعض بالفقاعة.