لا شك أن جميع الأعمال الصالحة مطلوبةٌ ومرغّبٌ فيها في الأيام العشر الأولى من ذي الحجة، إلا أن الذكر له أهمية خاصة.
فقد ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قوله: "وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ" رواه البخاري في صحيحه.
وقد ورد ذكر الأيام المعلومات في قول الله تعالى في سورة الحج: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (الحج: 28)، وفسرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بأنها الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة.
وقد فسَّر الأيام المعدودات الواردة في قول الله تعالى في سورة البقرة: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (البقرة: 203) بأنها أيام التشريق - الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة -، وكان العمل الأساسي الذي طلبه الله عز وجل من عباده في هذه الأيام - المعلومات والمعدودات - هو الذِّكْر.
وفي تطبيق عملي لهذا التفسير، ذكر الإمام البخاري أن الصحابيين الجليلين عبد الله بن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق فيُكَبِّران، وَيُكَبِّرُ الناس بتكبيرهما، فاختارا التكبير تحديدًا ليحثا الناس عليه في هذه الأيام الفاضلة، وذلك لعلمهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
فصار التكبير سُنَّة نبوية مهمة في العشر الأولى من ذي الحجة، وإن كان ذِكْر الله بشكل عامٍّ أمرًا مطلوبًا في هذا التوقيت.
وقد وردت رواية صحيحة تُوَسِّع دائرة أنواع الذكر في الأيام العشر؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ) رواه أحمد بإسناد صحيح.
أما صيغ التكبير، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغة معينة، وإنما ثبت عن صحابته رضوان الله عليهم عدة صيغ، منها: قول سلمان الفارسي رضي الله عنه: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً)، وقول ابن مسعود رضي الله عنه: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وللَّهِ الحمدُ)، وقول ابن عباس رضي الله عنهما: (اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً، اللَّهُ أَكْبَرُ وأجَلُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وللَّهِ الحمدُ).
فلنحرص على إحياء هذه السُّنَّة المباركة، بتطبيقها وحث الناس عليها، حتى ننال أجر الذكر والتكبير، وأجر إحياء سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم.