عندما أعتبرت محكمة العدل الدولية أعلى محفل قانوني دولي الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة مخالفة للقوانين الدولية ذات الصلة ألتي ترتبط بوضعها كدولة إحتلال، كما أنها تتحمل مسؤولية مخالفاتها وممارساتها وعليها تقديم تعويضات عن الأضرار الناتجة من ممارساتها، ولا يخفى على أي قانوني ومحامي دولي أو باحث أو ممارس موضوعي لحل النزاعات والمسألة الفلسطينية أن إحترام القانون الدولي ليس من أولويات أو حتى من إهتمامات الدولة الإسرائيلية، وإنما ما أستجد حديثاً غرور واضح واستهانة كاملة بالقانون الدولي وردود فعل المجتمع الدولي إزاء تجاوزاتها، ولدى كل محبي السلام وأحرار العالم اليوم قناعة راسخة بأن إسرائيل دولة مارقة وخارجة على أسس وأصول القانون كافة، وأنه آن الأوان للتعامل مع هذا الأمر المشين بجدية من خلال وقفة قوية وواضحة من المجتمع الدولي جماعة على المستوى الفردي للدول، ولذا رحب الكثير بشدة بما أصدرته محكمة العدل الدولية أخيراً بإعتباره يعكس تفسيراً واضحاً للموقف القانوني من التصرفات الإسرائيلية، ونظراً إلى وضوح ما أصدرته المحكمة والذي لم يقتصر على ما يتعلق بالممارسات الإسرائيلية، وإنما تعرض كذلك لما هو مطلوب من دول المجتمع الدولي إزاء خلاصتها حول الخروق الإسرائيلية للقانون، وكانت قد أصدرت محكمة العدل الدولية أخيراً آراء إستشارية بالغة الأهمية والقوة حول الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك إستجابة لسؤالين حول التبعات القانونية المترتبة على الإنتهاك المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحول تأثير ممارسات إسرائيل في الوضع القانوني للإحتلال، طرحا عليها بموجب قرارات صدرت بغالبية كبيرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشارك أكثر من 50 دولة ومنظمة للمحكمة، وجاءت آراء المحكمة واضحة وتكرر مواقف حاسمة منها أن الوجود الإسرائيلي في الأراضي المحتلة غير قانوني، وأن على إسرائيل إنهاء الأحتلال في أسرع وقت ممكن، وأن الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة مخالفة للقوانين الدولية ذات الصلة، ألتى ترتبط بوضعها كدولة إحتلال، كما أنها تتحمل مسؤولية مخالفاتها وممارساتها وعليها تقديم تعويضات عن الأضرار الناتجة من ممارساتها، وشددت المحكمة أن على الدول والمنظمات الدولية عدم الإعتراف بأية أوضاع قانونية مترتبة على الوجود الإسرائيلي غير المشروع في الأراضي الفلسطينية، وأخذ بعين الإعتبار عدم شرعية الممارسات الإسرائيلية وكل ما يترتب على ذلك في تعاملاتها مع الأراضي المحتلة، كما عرضت المحكمة أيضا آراءها بصورة تفصيلية ودقيقة على أساس قواعد القانون الدولي، مع الأستناد خصوصاً على أن الممارسات والتشريعات الإسرائيلية تسعى إلى تثبيت الأحتلال وإعطائه صفة الدوام له، وهو ما يخالف القانون الدولي فضلاً عن عدم تمكين الفلسطينيين من ممارسة حقوقهم المتساوية وخصوصاً حقه في تقرير مصيره أسوة بشعوب العالم، وعدت المحكمة أن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة يتحملان مسؤولية الإسراع في وضع آلية لإنهاء النزاع والأحتلال، ومن المخرجات المهمة للمحكمة أن على إسرائيل الوقف الفوري لسياسة التوسع الأستيطاني وإزالة المستوطنين من الأراضي المحتلة، ويجب كذلك إنهاء إحتلالها للأراضي الفلسطينية إذ لا يمكن الإستمرار في منع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره، وأكدت بأن هناك عدداً من التشريعات والممارسات الإسرائيلية الخاصة بالأراضي المحتلة والفلسطينيين ليس لها سند مشروع وتنتهي إلى معاملة الأحتلال للفلسطينيين بصورة تعد تمييزاً عنصرياً منهجياً يخالف القوانين الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية والثقافية للشعب الفلسطيني، وأن على تل أبيب الإلتزام بـ" معاهدة سدرا " عندما تمارس سلطات خارج أراضيها، مشيرة إلى أن إسرائيل تخلت عن إلتزاماتها في معاهدة مكافحة التمييز العنصري المبرمة عام 1965، وأن نقل المستوطنين إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية يتناقض مع المادة 49 من معاهدة جنيف، ولا يمكن لسلطة الأحتلال تهجير سكان المناطق المحتلة أو توطين مواطنيها فيها، وأن إحتلال أراض فلسطينية لمدة طويلة لا يغير وضعها القانوني وأن الأحتلال هو وضع موقت، كما أن واجبات إسرائيل في الأراضي المحتلة تخضع لمعاهدة 1959 في شأن معاملة المدنيين في زمن الحرب، كما أن الأراضي الفلسطينية هي أرض تحت الإحتلال وأنه ستتم دراسة التداعيات القضائية للوجود غير القانوني لإسرائيل في الأراضي المحتلة، وقد يدفع البعض بأن مخرجات المحكمة إستشارية وهي بالفعل كذلك إستجابة لتحرك من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومع هذا كمحامي دولي وموجود الآن في لاهاي / هولندا ولقائي مع مجموعة من المحاميين والقانونيين الدوليين من مختلف الجنسيات أرى أن مخرجات المحكمة بالغة الأهمية والوضوح والشمول في تأكيدها عدم شرعية الأحتلال، ورفضها الممارسات الإسرائيلية المختلفة في الأراضي المحتلة، وفي مطالبتها المجتمع الدولي بالتعامل مع الأراضي الفلسطينية على أنها أرض محتلة وأن الوضع الإسرائيلي غير مشروع، وفي مطالبة تل أبيب بدفع تعويضات عن ممارساتها غير القانونية، وعلى الرغم أن المحكمة لم تتناول الوضع في غزة بعد أحداث السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي بالأسس القانونية المشار إليها، حتماً تنطبق أيضاً على الإحتلال والخسائر والتدمير بالقطاع، وقد آن أوان تحرك فلسطيني وعربي وإقليمي ودولي قانوني وسياسي مستنداً إلى مخرجات المحكمة خلال الـ19 من تموز/ جولاي الجاري كما أن ممارسات إسرائيل بعد إحتلالها عقب عام 1967 تعد إنتهاكاً لحق تقرير المصير .