في رواية "اليركون" للكاتبة صفاء أبو خضرة، تظهر العلاقة الوثيقة بين الفلسطيني والمكان. يتجاوز المكان كونه مجرد مساحة جغرافية ليصبح جزءاً من الهوية والوجود الفلسطيني، حيث تلتقي ذاكرة الفرد الفلسطيني بجغرافيا وطنه، وتشكل الرواية جسراً بين الماضي والحاضر عبر سرد مفعم بالحياة، يعكس البعد الثقافي والروحاني لهذه العلاقة.
المكان في الرواية:
يشكل المكان، وخاصة نهر "اليركون" (العوجا)، محوراً أساسياً في الرواية، حيث يرمز إلى الحياة والموت، الفرح والحزن. فاليركون ليس مجرد نهر، بل هو شاهد على قصص الناس وأوجاعهم وأفراحهم. الرواية تصور المكان كعنصر حيوي في الهوية الفلسطينية، يتجلى ذلك من خلال الطقوس المرتبطة بالنهر والحنين الذي يعيشه الفلسطينيون تجاه أرضهم المسلوبة. نجد هذا التعلق يتجسد في وصف مشاعر الشخصيات مثل رشيدة، التي لم تنفك دموعها تسقط في نهر اليركون، مؤكدة على تماهي الإنسان مع المكان في الذاكرة الفلسطينية.
الطقوس والتقاليد:
تتطرق الرواية إلى طقوس الحزن والفرح في المجتمع الفلسطيني، مثل طقوس اللطم على فراق الأحبة وطقوس انتظار عودة المفقودين. هذه الطقوس ترمز إلى استمرارية الحياة الفلسطينية رغم المآسي، وتؤكد على الترابط العميق بين الماضي والحاضر. الرواية تقدم صورة حية لكيفية انتقال هذه الطقوس من جيل إلى جيل، مما يعكس استمرارية التراث الفلسطيني وتأثيره على الحاضر.
الصراع مع الاحتلال:
تتناول الرواية بواقعية وحشية الاحتلال الصهيوني وما ترتب عليه من نكبة وتهجير. من خلال سرد الشهادات والوقائع، ترسم الرواية صورة مؤلمة لما حدث في 1948، حيث توثق الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، بدءًا من المجازر ومرورًا بالتهجير القسري وانتهاءً بسرقة التراث والثقافة. الرواية تقدم شهادة قوية على الوحشية التي لا تزال تعاني منها فلسطين حتى اليوم.
الشخصيات وعلاقتها بالمكان:
تمثل الشخصيات في "اليركون" شريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني، حيث نجد الطفل والكبير، الرجل والمرأة، كل منهم يحمل في داخله قصته الخاصة مع المكان. رغم اختلاف تجاربهم، يجمعهم الحنين للأرض والوطن. الشخصية المحورية، "لميس"، ورغم أنها لم تعش في فلسطين، فإنها تشعر بالانتماء القوي للوطن الذي لم تره، مما يبرز كيف أن الهوية الفلسطينية متجذرة في الروح حتى لو لم تُعاش مباشرة.
رواية "اليركون" هي أكثر من مجرد سرد لحكاية أو أحداث تاريخية؛ إنها مرآة تعكس الروح الفلسطينية المرتبطة بالأرض والجذور. عبر أسلوب سردي يمزج بين الواقعية والأسطورة، تقدم صفاء أبو خضرة عملاً أدبياً يسهم في توثيق تجربة الشعب الفلسطيني وصموده. إنها دعوة لتأمل عمق العلاقة بين الإنسان وأرضه، وفهم كيف أن المكان ليس مجرد موقع جغرافي، بل هو روح تسري في عروق الفلسطيني جيلاً بعد جيل.