وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي، أن الله جعل زمن موت الإنسان و قبض روحه في صحيفة الغيب، فالموت يأتي فجأة بلا استئذان، وهذا حال كل إنسان، قال الله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وأوضح "الثبيتي"؛ أن الناس يتفاوتون في تحمُّل صدمة وفاجعة وفاة قريب على قدر إيمانهم، وبقدر رسوخ الإيمان يتحلى المرء بالصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله وقدره، قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
وأشار أنه إذا كان الأجل غيباً، فإن أهل البصائر يعقدون العزم على الاستعداد بحُسن الزاد، يتفقد المرء عبادته، ويسبرُ مسار صلاحه، ويراجع علاقته بخالقه، ويراجع كشف حسابه، ومسيرة عمله وصلاته، وحقوق الآخرين عليه، وبر والديه، وصيامه، وزكاة ماله، وقراءة القرآن، وموقفه من حدود الله من المناهي والمحرّمات، مذكراً أنه بوفاة المرء يحزن أهله وذووه ومع مرور الأيام والشهور ستجف الدموع، وتختفي الأحزان، وتبقى الذكرى طيفاً من خيال، وكل فردٍ سيأتي ربّه يوم القيامة وحده، لا مال له، ولا ولد له، ولا نصير له، فنرى هذه الحقيقة ماثلة للعيان في موت فلان حين يحمله على النعش أهله المحبون له، وأولاده المشفقون عليه، وبعد أن يوسد التراب، يرجع الجميع ولن يبقى معه بقبره سـوى عمله، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ).
وذكّر بأهمية أن يبقى للإنسان أثر طيب بعد وفاته، بعمل خير أو بحُسن تعامله مع الخلائق، مبيناً أنه بعد موت البعض تنتشي الألسن بالحديث عن أثره وآثاره، وحسناته وأخلاقه، فالجار يثني على حُسن جواره، والقريب يقدّر صلته وإنفاقه، والفقير يذكر صدقته وإحسانه.. فيرحل أقوامٌ وتبقى صحيفة أعمالهم ممتدة، وحسناتهم تتدفق وتتزايد، بوقفٍ خالد، أو ولدٍ صالح، أو علمٍ في الأرض سائر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.
وأردف: ومنهم مَن إذا مات تثاقلت الألسن عن ذكر أثره، ووصف عمله، لسوء خلقه، وشناعة عمله، بل قد يدعو عليه مظلومٌ من شدة ما وجد من ظلمه، فكم من حقوقٍ سلبها ومظالمَ اقترفها، أو عمل شائن خلّده بعد موته.