الحديث عن عملية جسر اللنبي التي نفذها الشهيد البطل بن جازي متشعب ويفتح الأبواب التي كانت مغلقة فيما يتعلق بالدوافع واختيار الزمان والمكان.
حيث جرت العادة أن تأتي الشاحنات المحملة بالبضائع من الأردن وتنقل من المعبر الأردني الحدودي الى منطقة تسمى منطقة نقل البضائع في معبر اللنبي الاسرائيلي (معبر الكرامة)، حيث يوجد بهذا المعبر منطقة كبيرة جداً لتفريغ الشاحنات الاردنية هناك ومن ثم تفتيشها، لتاتي الشاحنات الفلسطينية وتقوم بنقل البضائع إلى الضفة الغربية، وهي عملية تمر باجراءات معقدة تحت إشراف السلطات الأمنية والجمركية الإسرائيلية.
وتقول التحقيقات الأولية لجيش الاحتلال حول العملية بأن المنفذ جاء على متن شاحنة، وأطلق النار على القوات الإسرائيلية التي كانت تقوم بحراسة معبر اللنبي. ما أدّى إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين واستشهاد منفذ العملية.
وفي غمرة التحقيقات الإسرائيلية العمياء التي لا تقرأ ما وراء السطور، فقد غُيِّبَت الحقيقة المرتبطة بالدوافع الحقيقة التي قادت المنفذ إلى بذل روحة رخيصة لأجل قضية يؤمن بها، والتصدي للظلم الذي طال أخوةً له يقيمون في الجوار المحتل دون رادع.
فجاءت العملية البطولية لتثبتَ أيضاً بأن طوفان الأقصى غيرت العقل العربي وأنعشت فيه الدوافع إلى الجهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي كما حصل مع الشهيد بن جازي، وقد أنعشت فيه روحَ المقاومة ورفْضَ الظلم، ونجدةَ الملهوف في الضفة الغربية المنكوبة، والأقصى الأسير، وغزة التي تُرِكَتْ لِيُبَادُ أهلُها في أشرس حرب تطهير عرقي يشنها الاحتلال ضد الفلسطينيين منذ قريب العام.
وهذا يفسر ما أقدم عليه البطل المغوار، ماهر بن جازي حينما رفض الضيم لإخوته في فلسطين الأبية المحتلة، فقضى مرتقياً بروحه إلى الفردوس شهيداً مجللاً بالكرامة والشرف، حينما هاجم الحراس الإسرائيليين القتلة، المدججين بالسلاح الذي يستخدم في قتل الفلسطينيين، مدفوعاً بمشاعر الشهامة لنصرة الأهل في فلسطين المحتلة وقد غشاهم الضيم.. ومن منطلق ما لدى قبيلة بن جازي الأردنية التي ينتسب إليها، من تاريخ جهاديّ مشرف، حيث أنجبت أبطالاً مغاوير رصعوا ببطولاتهم التاريخ الأردني.
وكان على رأسهم، ابن بلدة (أذرح) مسقط رأس الشهيد، الشيخ المجاهد هارون بن جازي .. أحد أبطال الجهاد المقدس في فلسطين عام 1948م . أيضاً بطل معركة الكرامة الراحل مشهور حديثة بن جازي رحمهم الله.
ثم يأتي دافع التصدي للظلم من منطلق إيمانه بديننا الحنيف الذي يأنف الظلم الذي طال الأهل غربي النهر والمقدسات في القدس المحتلة.
وخلافاً لما يدعيه الإعلام الإسرائيلي، فهي دوافع سامية وشخصية، فلا ترتبط بأية أجندات خارجية.
كما تؤكد هذه الدوافع المشروعة على أن الشعب الأردني في حالة تعبوية ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي يقترف المجازر ضد الشعب الفلسطيني في غزة، والضفة الغربية المحاذية للحدود الأردنية (كانت جزءاً من المملكة حتى صدور قرار فك الارتباط عام 1988 بإعلان ملكي أردني رسمي)، بغية تطهيرهم عرقياً بالقتل أو التهجير إلى سيناء والأردن، وفق دعوات اليمين الإسرائيلي التي بادر إليها بن غفير وسموتريتش توافقاً مع ما جاء في كتاب بنيامين نتنياهو الذي صدر باللغة الإنجليزية ونشرته الأهلية مترجماً إلى العربية في يناير 1996 بعنوان:"مكان بين الأمم"
حيث قال فيه أنّ "هنالك حل للنزاع بين الشعبين (ويقصد الإسرائيلي والفلسطيني) يتمثل بإقامة دولتين: دولة يهودية للشعب اليهودي المقيم غرب نهر الاردن، ودولة عربية للشعب العربي (الفلسطيني) الذي يقيم معظمه شرقي النهر".
من جهته حاول نتنياهو اللعب على الوتر الإعلامي لتوظيف ارتدادات عملية جسر اللمبي، لصالح رؤيته حول استعادة وحدة الصف الإسرائيلي ومواجهة الهجمة الحمساوية الإعلامية المؤثرة على الداخل الإسرائيلي، والدفع إلى تصدير الأزمة الإسرائيلية إلى الخارج بإشعال حرب إقليمية فشل في تحقيقها منذ أكثر من عقدين، من خلال اتهام محور المقاومة وعلى رأسه إيران بالوقوف وراء عملية اللنبي التي نفذها نشمي أردني بدافع شخصي دون أجندة خارجية، والتي وضعت تجربة حركة نقل البضائع عبر المعابر الأردنية إلى الاحتلال على المحك.
فعلق نتنياهو على الحادث، اليوم الأحد، قائلاً إنه "يوم صعب إذ إننا محاطون بأيديولوجية قاتلة بقيادة إيران".
وأضاف: "في الأيام الأخيرة، قتل إرهابيون خسيسون -على حسب وصفه- ستة من مختطفينا بدم بارد وثلاثة من ضباط الشرطة الإسرائيلية. القتلة لا يميزون بيننا، إنهم يريدون قتلنا جميعا، حتى النهاية. اليمين واليسار، العلمانيون والمتدينون، اليهود وغير اليهود(!!)"
مع أن حماس تؤكد أن المختطفين قتلوا على يد جيش الاحتلال مباشرة أو من خلال عرقلة نتنياهو لصفقة تبادل الأسرى.. وهو ما يصدقه الإسرائيليون الذين ضاقوا ذرعاً بنتنياهو الذي يشهد معارضة متنامية في صفوف جيش الاحتلال من خلال ما يصرح به قادته في أنه يقود المنطقة إلى الهاوية، وأنه يتحمل مسؤولية ما ينجم من تداعيات بسبب سياسته الخرقاء التي تسببت بعملية جسر اللنبي.
لقد حظيت عملية "اللنبي" التي نفذها الشهيد البطل بن جازي بتأييد الشارعين الأردني والفلسطيني وحركات المقاومة في غزة، إلى درجة أن بعض الأردنيين بادروا إلى توزيع الحلوى عن روح الشهيد البطل الذي رفع رؤوس الأردنيين والشرفاء في العالم.. ليثبت بأن الأردن ولّادة بالأحرار الشرفاء.