كلنا يعرف أن الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع العيش لوحده إنما يعيش مع الجماعة حتى يكمل بعضهم بعضاً؛ فالقوي يساعد الضعيف والعاقل يوجّه الجاهل والشبعان يطعم الجوعان والعالِم يضيء درب الجميع ….وهذا هو ديدن مجتمعنا الاسلامي السوي وهذا ما ذكره الله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ولكن للأسف في هذا الزمن الذي يفتخر به الجميع زمن التطور فقد غزتنا مغريات دنيانا.. لتصبح المصالح هي من تسيّر الناس فأصبحوا لأجلها يتفنون الكذب ويتقنون الخداع ويتاجرون باخلاقهم وأعرافهم وما رباهم عليه آباءهم ومعلميهم لأجل مكسب دنيوي زائل فتظهر حقيقتهم وتنجلي وجوههم الحقيقية، فيصحى بعدها المغفلون ممن حملوهم على ظهورهم وراهنوا عليهم حينها لا يملكون سوى أنهم آسفين لسقوط هؤلاء السريع من أنفسهم شاعرين بالصدمة وكأن لسان حالهم يقول: كم خدعتنا أبصارنا وأسماعنا بتأرجحهم وهم أمامنا بحلاوة ألسنتهم وجمال بهيتهم، وكم خدعتنا ثقتنا بهم وخذلتنا خبرتنا بثقافتهم فقد انفضحت سريرتهم بعدما انتهت مصالحهم فهم يرفعونك للسماء إذا احتاجوك ويسقطوك ارضاً إذا قضي أمر مرادهم.
لذا فإن الكثير يرى أن مجتمعات اليوم وللأسف تشح وتفتقر لأصحاب المبادئ، ولكننا هنا نؤكد ونقول أن أصحاب المبادئ يموتون وزراعهم تبقى وفي كل المواقف والازمان يقطف الخيّرون منها الخصال الطيبه، وأصحاب المبادئ هم الصادقون دوماً وقد أنصفهم بيت الشعر الخالد في ذاكرتنا (ولا خير في ودّ امرئ متلون... إذا الريح مالت مال حيث تميل)، وأصحاب المبادى هم عمله نادره ويغرونا دوماً حتى لو لم نتفق معهم يكفي أننا ورغماً عن أنفنا نحترمهم من داخلنا أو نغار منهم رغماً عنّا ايضاً، وفي الحالتين هم مميزون بوجودهم في فضائاتنا.
لذا دعونا نقول لأصحاب المبادئ ونخاطبهم باحترام وإجلال لا تحبطكم هذه الأزمان وهذه البيئات غير النظيفة، فإن أفضل ما قيل في عديمي المبادى أنهم ينتهون من حيث يبدأون بعد رحلة طويلة من القفزات وتغير أراءهم وثوابتهم المزيفه ميلاً مع الريح وتملقاً للاخرين، فلا تكتئبوا ولتشمخوا عاليا فأنتم ترتكزون على ثوابت ترسخت في قلوبكم وعقولكم ورثتموها عمن احتضنهم التراب الذين غرسوها بكم ليشار لكم بالبنان فأنتم أصحاب المبادئ والمواقف شيمتكم الصدق والوفاء ولا يزعجكم صوت الغربان الناعقة فمن عملت معه معروفاً فهذا ليس لأجله فحسب؛ إنما هي أخلاقك وشيّمك من تقودك لذلك.
لكن فلنعذر هذا الزمن (زمن الرويبضة) الذي ذكره رسول الله عليه الصلاة والسلام (سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة) فلنعيشوا أصحاب المبادئ دوما رافعين هاماتكم شامخة كشجر السنديان غصونها في السماء وجذورها ثابتة في الأرض لا تكسرها رياح ولا تقتلع جذورها السيول الجارفة وإن ماتت تموت واقفة لا تنحني.