لا اعتقد بدايةً أن مجازفة الدولة وعزمها على إطلاق مرحلة هامة ومفصلية...وتاريخية ..من المراحل المرسومة لمشروع التحديث السياسي..كان قفزاً في الهواء ...وأجزم أنها كانت خطوةً جريئةً ومحسوبةً...وجسورةً..وذكية ...وتعكس دون أدنى شك ارادةً سياسيةً عُليا...وعزماً هاشمياً صادقاً..وشُجاعاً وواثقاً ..لإحداث نقلة سياسية ونوعية ...تكون عنواناً للدولة الاردنية في المئوية الثانية من عمرها المديد باذن الله ....وقد جاءت هذه الخطوة في وقتها ...وخدمة لمصالح الدولة الاردنية العليا...في ظل ظروف وتحديات سياسية غير مسبوقة ...تقتضي وحدة صفنا ...وتحصين جبهتنا الداخلية ...فالخطر داهم .. والأيام حُبلى ...
والأمر الذي يستدعي الوقوف عنده ملياً ....وشكّل علامةً فارقةً في الانتخابات البرلمانية الاخيرة ....هو ماحصده حزب جبهة العمل الاسلامي من مجموع اصوات القوائم الوطنية في بادية الشمال ...إذ حصد مايزيد عن أحد عشر الف صوتاً وتقدم على حزب الميثاق الوطني في أحد أهم قواعده الشعبية والمفترضة .. وبما يزيد عن الفي صوت .... ودونما أن تكلف الجبهة نفسها بأي حملة انتخابيةٍ او دعائيةٍ ....ومن المؤسف هنا ان العديد من الأحزاب حديثة التأسيس..وعلى اختلاف مشاربها لازالت أحزاباً متواضعة الأداء ..وأقرب الى النخبوية..وأحزاب الشخوص .. ..وغضة وجهوية ....ولاتملك برامجاً او طروحاتٍ ناضجةٍ ومقنعة ...ولاتملك أدوات التواصل الحقيقية والمثمرة مع القواعد الشعبية ....في الوقت الذي يتمتع فيه حزب جبهة العمل الاسلامي... الواجهة السياسية لجماعة الاخوان المسلمين بإرثٍ سياسي عريق ..وتجربة عميقة ومتراكمة في العمل الحزبي والسياسي....
وفي ظل هذه الإنعطافة السياسية التي أذهلت ...بل وأربكت حسابات العديد من المراقبين ...والمعنيين في هذا العالم ..ومن حولنا ...ارجو ان أُوشر على مايلي-
. لقد أثبتت العلاقة المتجذرة والتاريخية مابين الدولة الاردنية وجماعة الاخوان المسلمين....بأن الحركة الاسلامية كانت ولازالت حريصةً كل الحرص على إبقاء مسافة وصلٍ آمنة مابينها وبين الدولة...على إمتداد مسيرتها الحزبية والسياسية ...وقد ضبطت ورشّدت خطابها السياسي والاعلامي ولم تقترب يوماً من ثوابت الدولة ومن هيبتها...ولم تنسلخ الحركة عن ثوبها الوطني في العديد من المحطات الحاسمة من تاريخ الدولة الاردنية .
. إن ماحصده حزب جبهة العمل الاسلامي من أصوات القوائم الوطنية في البادية الشمالية ..ومن غير منتسبيه اصلاً ... قد استوقف الكثيرين من المراقبين ...ومن المهم الإشارة هنا الى أن زخم التصويت للحزب في البادية الشمالية وقف ورائه معلموا ومعلمات البادية .. وكأنه ردُّ جميل على المواقف السابقة للنائب ناصر النواصرة إبّان قيادته لنقابة المعلمين.
. بدا واضحاً أن الأغلبية من الأحزاب حديثة التأسيس..لم تحظى بقبولٍ شعبيٍ يُذكر ...وقد عجز العديد منها ان يقنع الشارع بما طُرح من برامج لم تلامس هموم المواطنين وتطلعاتهم.
. صحيح ان الحركة الاسلامية قد إستثمرت في معاناة الاشقاء في فلسطين ....واستطاعت أن تتناغم الى حدٍ كبير مع هتافات الشارع..الغاضب .. إلا ان موقف الدولة الاردنية قيادتها وشعبها ومؤسساتها ...مما يجري في فلسطين... هو موقفٌ لايجاريه عليها أحد...ومن المهم هنا أن تعي قيادات الحركة الاسلامية دقة المرحلة ...وجسامة التحديات التي تواجهها الدولة الاردنية إن على المستوى المحلي او الإقليمي أو الدولي ...ومن المؤمل منها ومن نوابها الإبتعاد عن خطاب المناكفة او المكاسرة....او المزاودة... وأن تضبط هتافات الشارع ...وأن لا تقع في أخطاء ماسمي بالربيع العربي.