انتهى المؤرخ المفكر الأردني د احمد عويدي العبادي( أبو البشر ونمي ) من كتابه الجديد أعلاه الذي يقع في مجلدين كبيرين، يتحدث في الأول عن تاريخ العشائر الأردنية القديمة واستمرارها الى احفادهم اليوم، وانها كانت ولا زالت جزءاً من تاريخ الأردن، وانها بقيت عصية على الطمس، بل لا زالت موجودة الى الان بقوة رغم العاتيات ومحاولات العبث والتعمية والتعويم والتغطية
, وان عشائرنا استطاعت ان تنجح في صراعها من اجل البقاء، وان تطور نظامها الاجتماعي والسياسي من قبائل وحياة الترحال والزراعة والصراعات الى ممالك متجذرة وقوية استمرت من 12000 سنة قبل الميلادي الى نهاية مملكة الانباط الأردنية في القرن الأول الميلادي , ثم الى يومنا هذا .
استطاعت عشائرنا ان تصنع وتبلور لممالكها عبر التاريخ : هوية وشرعية وكيانات سياسية، واشادوا المدن والحضارة والجيوش والأنظمة ونمط التجارة والالهة التي صارت معتمدة في الحضارات القديمة في الداخل والخارج :
مثل الحوريين وخلفائهم الأدوميين، والايميين وخلفاؤهم المؤابيين، والزمزميين وخلفاؤهم العمونيين، والهكسوس وخلفاؤهم الباشانيين ومملكة بيريا السلطية ، وامارة بلعما وممالك البادية الأردنية الثمودية الشرقية : من المديانيين والسبئيين والقيداريين ومن ثم المملكة الجامعة وهي مملكة الانباط الأردنية، فضلا عن الممالك الضجعمية والغسانية
فهؤلاء جميعا كانوا عشائر اردنية ثمودية تحولت الى ممالك قوية، ونزل فيهم انبياء مثل سيدنا صالح وشعيب ولوط وايوب ولقمان وذي الكفل ويحيا عليهم السلام جميعا
وفي الجزء الثاني تناول المؤلف د احمد عويدي العبادي العشائر الأردنية بالأردن احفاد بناة هذه الممالك، واثبت تجذرهم واستمرارهم بالأردن، وصارت قبورهم جذورا ودماؤهم طلاسم تضرب كل طامع ومفتري ، وعظامهم معادن نادرة، وقد تناولهم المؤلف قبيلة، اثر قبيلة، والحديث عن تاريخ كل منها وعمقها في الأردن وبطونها وفروعها وشجرتها اليانعة،
والمقصود بالأردن في الكتاب هو الأردن التاريخي قبل 1921م، الذي كانت تتراوح مساحته ما بين 800000 كيلو متر مربع في ادنى مساحته، وتصل المليون كيلو متر مربع وحولها زيادة او نقصا , وهذه المساحة بقيت موجودة عبر الاف السنين الى ان حلّ الاحتلال الإنجليزي الذي يصفونه انه انتداب
توصل المؤلف أيضا الى ان احدث عشيرة اردنية متجذرة بالأردن، جاءت منذ الفتح الإسلامي ، وهو برهان على تجذر العشائر الأردنية بشكل اكبر واعمق مما يتخيله الاخرون وأبناء هذه العشائر نفسها، التي تحمل في تراثها وتاريخها ارثا مشرِّفا ضاع بسبب عدم التدوين لان التاريخ لمن يكتبه لا لمن يصنعه، وضاع بسبب اهمال بعض القيادات وانطبق عليهم المثل الاردني القديم ( الموت ما يهفي حمايل = يهفيها الجيل الردي )
واستطاعت العشائر الأردنية خلال تعاقب الأجيال عبر الاف السنين ان يتكيفوا مع المستجدات، وان ينسجوا هوية وشرعية ووطنية متوارثة، وقضية وطنية اردنية متماسكة الأركان عالية البنيان، لا تهزها الرياح ولا تغطيها اكوام الزبد من التجنيس والتدنيس والتدليس ,
أقول حَبَكَ اجدادنا نسيجا وطنيا مقدسا، له مذاقه الخاص ’ الذي يختلف عن سائر المذاقات والسكان في بلاد أخرى .
فالأردني ليس وليد قرن او حقبة او قرون قليلة بالأردن، وليس وليد قرار سياسي ولا شرعية زائفة ولا بحث عن جذور تائهة، بل انه متجذر الى تاريخ غابر، اشارت اليه الكتب السماوية وكان منا الأنبياء الكرام ومنا القادة العظام والفاتحين ذوي المقام
الكتاب جاء دراسة تحليلية وبرهن ان قبائلنا وعشائرنا الأردنية عامة هي من بعضها ومتناغمة، وانهم في أوقات الفراغ وغياب الدولة استطاعوا تطوير ونسج قوانينهم الخاصة بهم، التي ساعدتهم على البقاء والاستمرار والاستقرار في الأرض الأردنية ، وان صراعهم لم يتطور الى عداوة الا في حالات نادرة وتنقشع
الكتاب القى الضوء على دور عشائرنا في فتح مكة المكرمة , والفتوحات الإسلامية في اسيا وشمال افريقيا والاندلس، وظهر منها ملوك في الديار الاندلسية والعربية ، واصبحوا الان شتاتا في سائر بقاع الأرض
الدراسة هي الأولى من نوعها من التحليل والتعليل، فضلا عن ان الكتاب يتضمن أسماء فروع ومكونات هذه العشائر الى احدث ما هي عليه حتى عام 2000م، وهو وثيقة للتاريخ فيها اخبار الأجيال الغابرة وفائدة للأجيال القادمة والحاضرة
د احمد عويدي العبادي ( أبو البشر ونمي ) متخصص بالشؤن الأردنية بعامة وتاريخ وعشائر الأردن بخاصة، وله عشرات المؤلفات والمترجمات في هذا الحقل، وهو حاصل على الدكتوراة من جامعة كامبريدج البريطانية، وصار عضوا في مجلس النواب الأردني لمرتين ( 1989 , 1997) وله صولات وجولات وطنية مدونة على الشبكة العنكبوتية ، لمن أراد التتبع والمزيد