تعرفت بالصدفة في السنة الأولى من دراستي الجامعية على أحد الطلبة وكان ينغص معيشة والديه ، حيث يقومان بجلبه للجامعة يومياً بسيارتهما، وانتظاره في المساء حتى يعودا به للبيت في محافظة بعيدة عن الجامعة، فالأبن ضعيف الشخصية بسبب الدلال الذي تحول إلى فساد في الشخصية وتربى على النعومة والعز وكان يرهق والديه بطلباته الكثيرة ؛ لانه يرفض السكن بعيداً عن والديه ، وكنت أشاهد انزعاجهما منه كون الوالد يعمل في أحدى الشركات بدوام كامل .
شعرت بالرأفة تجاه الوالدين، فذهبت اليهما وهما ينتظرانه عند بوابة الجامعة، وعرفت عن نفسي و طلبت أن يسكن ابنهما معي في السكن لمدة أسبوع تحت التجربة حتى يتعود على المبيت خارج البيت بدل مصاريف ذهابه وقدومه للجامعة وإرهاق الوالدين .
شعر الوالدان بالفرح ولكنهما تخوفا من عدم رضى ابنهما الوحيد المدلل على أخوته من الإناث، فقلت لهما :" إذا حابين أصقل شخصيته لكما اتركوه وشأنه وأنا راح اهتم به" .
كنت أعلم أن الإبن لن يرضى بالسكن معي عند رؤية غرفتي المهجورة ولا حتى الوالدان .
اتفقنا في اليوم التالي على إتيان الوالدين معهم بالسيارة بفرشة وغطاء لأبنهما حتى يضعوه في الأمر الواقع ويسكن معي ، حيث قام الوالدان بإقناع ابنهما بالسكن معي تحت التجربة . وطلب الوالدان مني بالذهاب بهم إلى سكني، فامتنعت خوفاً من فشل تجربة صقل شخصية ابنهما،؛ لانهما لو شاهدا الغرفة المهجورة والبابور والفانوس لرفضا ذلك .
ولكنني طلبت من الوالدين بعدم الاستجابة لابنهما مهما توسل حتى تنجح تجربة صقل الشخصية ويمضي معي في المبيت لمدة أسبوع .
تم وضع الخطة للتطبيق وبعد أن ودعت والديه طلبت منهما بعدم الاصغاء للإبن وتوسلاته لرفض السكن فوافقا واعطوني مبلغ (٥٠) ديناراً حتى أشتري له طعام جاهز وقتها أبديت غضبي منهما ، وقلت لهما :" هيك بخرب الشغل بدنا نعوده على الطبخ والأكل في السكن" .
و بعد انتهاء المحاضرات أستأجرنا تكسي لحمل الفرشة والغطاء إلى غرفتي و لمجرد أن وصلنا الغرفة شعر الإبن بالصدمة والذهول قائلاً :" بدي بابا وماما أرجع معهما، هاد المكان بخوف " فرديت عليه قائلاً:" البابا والماما مش هون سافرا" بداية رفض بشدة المبيت و في نهاية الأمر استسلم للأمر الواقع و عندما دخلت الغرفة وكان الوقت في المساء أشعلت الفانوس و وضعت ابريق الشاي على البابور ، بعدها تعمدت بعمل أرجل الدجاج مع مرقة الصلصل حتى أشعره بقيمة الطعام وعدم الإسراف وقتها كان يريد أن يستفرغ لمشهد الأرجل فأقول له :" هذه أكلة دسمة مغذية فيها عناصر وفيتامينات تقوي العظام والركب " وكان يقول :" لو بموت من الجوع ما أكلتها أنا متعود على تناول الزنجر والكباب والبرجر والشاورما والكاتشب وغيرها " ، فقلت له:" هذا الموجود وعندما جاع قمت بإحضار الخبز والشاي لكي يتناوله وهي أكلتي المفضلة آنذاك فتناول القليل منها .
كان طوال الليل يشعر بالرعب والخوف من نباح الكلاب ، فهو غير معتاد على هذه الأجواء (الرومانسية) و كنت طيلة الجلسة أسرد له الأحاديث الحسنة و شكري لله تعالى أن سخر لنا هذه الغرفة للسكن فيها، وأذكر له الصفات الحسنة و محاسن الآباء والأمهات القدامى بشكل عام حتى يرق قلبه لوالديه ولا يزعجهما .
وبعد (٣) أيام جاء الوالدان صباحا إلى مكان السكن للاطمئنان على ابنهما و عندما شاهد الإبن والديه شعر بالفرح وبدأ يقبل والديه بعد قضائه( ٣) ليالي مرعبة في الغرفة المهجورة وعندما شاهد الوالدان الغرفة و ظروفها الصعبة شعرا بالصدمة والأستغراب!!! كيف أنني أسكن في غرفة بعيدة عن الناس و المجتمع و أنا في حالة من الفرح والإبتسامة، بعدها غادر الإبن مع والديه بعد مكوثه معي ومر بالتجربة منتظرين استفادته أو عدمها من تغيير طباعه وعاداته وسلوكاته المزعجة للوالدين ، حيث بعدها سكن مع أقارب له و علمت أنه بعد تجربة المبيت تغير كلياً على وجه التقريب وأصبح طالباً يحب والديه ويقدر قيمة النعمة والمحافظة عليها و أصبح يعتمد على نفسه في حياته ، و بعد تخرجه وحصوله على المؤهل العلمي سافر مع والديه خارج الأردن .