أما فى المنظور الإسلامي فقد ارتبطت الملكة بلقيس بالنبي سليمان عليه السلام ارتباطا وثيقا ففي خمس وعشرين آية قرآنية كريمة، قصَّت «سورة النمل» علينا نبأ سليمان عليه السلام الملك والنبي مع «الملكة بلقيس» ملكة سبأ.
حيث بدأت قصة التواصل والعلاقة بدعوته إياها -وشعبها -إلى عبادة الله تعالى وحده، والتوقف عن عبادة الشمس، والا فانه سيحتلهم ويخرب مملكتهم، وانتهت بإعلانها إسلامها لله رب العالمين.
حاولت بلقيس فى البداية استخدام دهائها وذكائها فى إثناء ( منع ) سليمان عن دعوته، بإرسال بعض بالهدايا الثمينة التي تليق بالملوك، وهي التي رفضها الملك سيلمان ، وسخر منها،
وبعد استهانة النبي سليمان بهدية الملكة بلقيس، على نحو ما قصه القران الكريم، على عكس ما توقعته بلقيس، تأكد لها حينها أنها أمام «نبي» يدعو إلى عبادة الله تعالى وحده، ولا تغريه الهدايا وبهارج الدنيا، ولا يؤثر فيه المال،
فتحولت في تعاملها من ارسال الوفود والهدايا والملاطفة، الى الذهاب بنفسها، لينتهي الامر بإسلامها ونحولها وشعبها من السجود للشمس إلى عبادة الله تعالى وحده.
وقد احتوت التوراة على تفاصيل أكثر إيضاحا عن هذه الهدية، حيث كانت قافلة على ظهور الجمال من الطيب والأحجار الكريمة والبخور وخشب الصندل مما لم تشهد أورشليم مثله من قبل .
ومن النتائج التي أعقبت هذه الزيارة حسبما جاء فى العهد القديم دخول مملكة سليمان عصرا من الازدهار والثراء. أي ان مملكة سليمان وعاصمتها قد استفادت اقتصاديا من هدايا الملكة بلقيس، مما يبرهن ان مملكة سبا الأردنية كانت اكثر ثراء من مملكة سليمان في حينه
وتدعي التوراة ان سليمان اتخذ عرشه من العاج وأغشاه بالذهب وجعل آنية الشرب كلها من الذهب . وادعت بدون دليل مقنع ان ملوك الأرض وصارت كلها تأتيه من كل حدب وصوب ملتمسة حكمته وعلمه،
وهذا كلام غير صحيح، ومن البراهين البسيطة انه لا يعلم مملكة عن وجود مملكة سبا الأردنية المجاورة او الى الشرق من فلسطين، لولا ان الله سبحانه سخر الهدهد للقيام بهذه المهمة، كما ورد في القران الكريم
. انها مغالاة التوراة واكاذيبها التي يجب تمحيص وتحليل كل معلومة لانهم يتحدثون دائما بما يجعل اليهود انهم شعب الله المختار وانهم اليد العليا عقلا وحكمة على سائر الشعوب
والحقيقة أن فهم النص القرآني فى ضوء ما ساقته التوراة، يحمل لنا معنى هاما ربما لم يخطر ببال المؤرخين الإسلاميين الذين اعتمدوا الاسرائيليات الكاذبة بدون تمحيص، والتي وضعت قصصا وأساطير عن مملكة سليمان واتساعها وسطوته على ملوك زمانه وهو ما يفتقر إلى أي دليل تاريخي ولا برهان عقلي او نقلي مقنع.
والحقيقة التاريخية وليست الأوهام الإسرائيلية، أن مملكة سليمان كانت مملكة متواضعة على جزء من ارض فلسطين وليس على فلسطين كلها، وان قوته كانت بنبوته وليس بمملكته، ولم تكن مملكته وملكه أبدا على هذا النحو من الأبهة والعظمة والاتساع الذي ادعته الاسرائيليات في التوراة .هذه الاسرائيليات التي تبناها المؤرخون العرب بدون تمحيص ولا تحليل للأسف الشديد،
وان ما فكرت به ملكة سبأ بإرسال الهدايا الى النبي سليمان، فإنما كان قائما على معرفتها المسبقة بمحدودية مملكة سليمان من حيث القوة والمساحة ضمن المفهوم الدنيوي،
فأرسلت اليه بكل هذا الكم من الهدايا لعلها تحمل قدرا كبيرا من الإبهار والتفوق والتميز الكبير لمملكتها بالمقارنة بمملكة سليمان، ولعلها تفتح أوسع ابوب التجارة بين المملكتين
لذا فإنها قد أرسلت ذلك من باب درء المفاسد أولى من جلب المنافع، وانها لا تريد ان تعرض مملكتها الى نبي مدعوم من الله سبحانه وتعالى .وهي تعرف انها اقوى منه بالمفهوم الدنيوي، ولكنها ليست كذلك بالمفهوم الروحي والدعم الإلهي الذي يتميز به النبس سليمان
فهي قادرة على حماية بلادها من قوة أي ملك ولكنها عاجزة عن الدفاع عنها امام قدرة الله سبحانه وهذا ما يبدو لي انها أدركته بالهام ألهى ثم بحكمتها ورجاحة عقلها، قبل ان تتحرك باتجاهه
والقول القرآني يحمل تكملة الصورة وأن معنى الملك الذي أوتيه سليمان ولم يؤت غيره من قبل ومن بعد، قال تعالى ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) سورة ص .
وهذا المُلك الذي اتاه الله النبي سليمان عليه السلام، لم يكن سوى رحمة ونعمة من الله سبحانه ثم لخصائص ومميزات فريدة فى شخص النبي سليمان، جعلته حاكما متميزا وحكيما
فضلا عن مزايا أخرى كثيرة لم تتح لغيره منها أن سخر الله تعالى له الطير، وعلمه لغتها استجابة لدعائه عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لي مُلْكًا لَا يَنْبَغِى لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)
وبالتالي فسليمان لم يكن له ملك مترامي الأطراف بالمفهوم الجغرافي، ولا جيوش نظامية حقيقية بشرية جرارة تسد الآفاق وإلا لكان لهذا أثر فى الرسائل بين بلقيس وسليمان
ولو كان لديه جيوش جراره لما توانى عن القيام بحروب توسعية كان فيها سليمان طرفا منتصرا أو منهزما أو معاضدا، ولكن جيوشه الحقيقة هي المعجزات من الجن والطير والوحوش، التي هدد بها تدمير مملكة سبأ الأردنية، وبالتالي فهي خارج قدرة الملكة بلقيس
وهذا ما ادركته الملكة بلقيس واتخذت قرارها باتفاق الملأ في مملكتها، وكان رايا حكيما انقذها وشعبها في الدنيا والاخرة
كانت بلقيس تدرك ان سليمان عليه السلام، كان يدير مملكته الصغيرة عبر تحكمه فى قوى غيبية وروحية بحكم نبوته، وليس بحكم عرشه الملكي، وبذلك فقد اخضع ممالك محليه بجواره دون الدخول فى حروب مباشرة، كما أوتي ما هو أهم وهو الحكمة مما جعله قبلة لمن يريدها في فى عصره للتزود بالحكمة.
وبذلك نجد ان حرب المخابرات والتجسس بين المملكتين قد انتهت الى حضور الملكة بلقيس الى عاصمة الملك سليمان , وانتهت الأمور الى اتفاقية ثنائية وهي ان لقيس امنت بالله سبحانه الواحد الاحد .
واستمرت مملكة سبأ في نوها وازدهارها واستقرارها، بينما انتهت مملكة سليمان الى التمزق والتشرذم بعد موته، وتجرير الادوميين للجزء الذي احتله الملك سليمان وهو منطقة ذراع العقبة .
وبالتالي فان قوة مملكة سليمان كانت مرتبطة به وبنبوَّته، وعندما مات انتهت مملكته لأنها لم تكن قائمة على مؤسساتها، وليس لها عمق تاريخي، بعكس ما كانت عليه مملكة بلقيس المتجذرة تاريخيا، والتي توسعت واستمرت مئات السين قبل سلمان وبعد سليمان
انتهت ( ح 67 ) وتليها ( ح68) بعون الله تعالى وهي عن علاقة الملكة بلقيس بإمبراطور الصين مو تشو في حينه..