كان زملائي عند شرائي البيت القديم قبل( ٩)سنوات يرأفون لحالي وظروفي الصعبة ، كما كان البعض ينظر لي نظرة الشفقة، فقد كنت اتوارى عن المناسبات الإجتماعية واتعرض للإحراج خاصة عند تقديم الواجب ( النقوط) ، فقد كنت أقدمه بالخفاء حتى لا يشاهد زملائي النقوط القليل (٥) دنانير مقارنة مع البعض الذين يغدقون زميلهم بالمال الوفير ، كما كنت امتنع عن دعوة الأصدقاء و الأقارب والمقربين لتناول الطعام في بيتي لقلة ما يتبقى من راتبي ، كون زوجتي لا تعمل آنذاك و أدفع قسط شهري و أقساط أخرى تتعلق بمصروفات البيت و مستلزمات الأطفال من فوط وحليب وغيره، حتى أصبح البعض ينادونني( يوسف أبو الخمسة ) .
وفي يوم من الأيام وقع نظري على قطة صغيرة سوداء، كانت خائفة وهي تأكل و تلتفت يمينا و شمالا، و عند سؤالي عن سبب ذلك، قالت شقيقتي:" هي قطة يتيمة ماتت أمها وهي تأكل مع المجموعة الأخرى" ، شعرت في تلك اللحظة بالشفقة عليها ، رغم أنها سوداء ولا تثير الإعجاب ، فطلبت من شقيقتي كرتونة لكي امسكها وأذهب بها إلى البيت للعناية بها ، فقد كنت شغوفا بإطعامها حتى أنني عندما أكون خارج البيت مع الأسرة اتفقدها قبل المغادرة من حيث الطعام والشراب ، أحسست في وقت وجود القطة عندنا قد تغير الحال في السنة الاخيرة قبل سداد الدين والالتزامات ، فقد زادت البركة في تلك السنة رغم أنني في تلك السنة لا اتقاضى من راتبي إلا (١٠٠) دينار أردني فقط،و كنت أدفع للبنك (٢٢٠ )دينارا شهريا طوال (٥ )سنوات مقابل شراء بيت قديم جدا و (١٠٠ ) دينار جمعية لمدة سنتان صيانة للبيت القديم الذي قمت بإصلاحه بعد شرائه .
كما أصبحت أشارك الناس أفراحهم وأقدم النقوط بدل (٥) دنانير( ٥٠ ) دينارا للمقربين حتى أن قريبي الذي تزوج آنذاك اتصل بي ليلا ، وقال:" سوف أرجع لك النقوط شكلك مخربط معطيني ( ٥٠ )ديناراً ، أنت من أين لك تصرف على البيت وعائلتك ، طول عمرك بتنقط( ٥ )دنانير " . لأنه كان يعلم براتبي وقلته آنذاك ، وأصبحت أتفاخر أمام الأقارب بالنقوط الوافر وأصابني الغرور والكبر آنذاك وأصبح البعض يقول لي ( ذبحتنا في نقوطك ، بكرة بحكو يوسف قليل المال نقط (٥٠ )دينارا ونحن (١٠) دنانير ، أرحمنا يا أبو ال(٥٠) دينارا ، وعندما تم سداد ديني والتزاماتي وتعينت زوجتي في مدرسة خاصة و زاد راتبي كثيراً مرضت القطة فجأة وأصبحت تعاني من المرض وتستفرغ ، فتخلصت منها ولم أعالجها ، وتناسيت أن الله رزقنا ببركتها ، أصابني الغرور بعد تحسن الراتب وتعيين زوجتي ، وكان أستاذنا الفاضل سليمان العمايرة والشيخ جمال الشحاحدة وغيرهم يحذرونني وينبهاني بالتكتم على النقوط وعدم التباهي والغرور ، مستغربين ومندهشين من تغير شخصيتي نحو الاسوأ بخصوص تقديم النقوط .
و بعد التخلص من القطة بأيام أنقلبت الأحوال نحو الاسوأ و تغير الحال وأصبحت الظروف صعبة رغم تحسن الدخل و وتعيين زوجتي في مدرسة خاصة آنذاك، و رجعت لنقوط الـ(٥) دنانير حتى البعض أصبح يقول لي :" ما أبخلك هي الـ(٥) دنانير بتنمد يا يوسف ( بتتنقط في هذا الوقت) " بدأت أسرد للمقربين من المشايخ عن تردي الوضع ، و كانوا يقولون لي :" لعل القطة كانت خبيئة لك عند الله في تلك الفترة ،و عندما أنكشف أمرها وتخلصت منها رفعت البركة في مالك و طعامك ولأنك لم تقدر قيمة النعمة وأصبحت تتفاخر بالنقوط خاصة بعد زيادة راتبك وتعيين زوجتك، لذلك مرضت القطة وتخلصت منها لعلها كانت إختباراً لك، تحمل غلطك وتعلم منه" ، ولاحقاً بدأت أجمع القطط وأقوم بإطعامهن حتى ترجع البركة دون جدوى وعندما أخبرت أهل الخبرة قالوا: لقد تكبرت وأصابك الغرور و كشفت للناس خبيئة القطة اليتيمة ومعروفك تجاهها لذلك رفعت البركة ، كان الأجدى بك التكتم على فعل الخير بالخفاء وعدم التفاخر يا ليتك بقيت على (٥) دنانير للنقوط وما صار فيك هيك " .
اتمنى أن نستخلص العبرة والحكمة من سرد هذه الواقعة والتكتم على فعل الخير وعدم الغرور وأن لا تتغير نظرة المتابعين لي ، فنحن نكتب من أجل إرسال رسائل للبعض لتغيير السلوك نحو الأفضل قبل فوات الآوان .