كتاب "عوالم السَّرد الروائي لدى سليم بركات" من تأليف خليل جابو يغوص وراء روايات سليم بركات مفتشاً في اللغة، والمعاني والدلالات، وأشياء كثيرة يكتظ بها عالم -أو على حد قول المؤلف "عوالم"- سليم بركات.
ويأتي عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 192 صفحة من القطع المتوسط، ويضم سبعة فصول ومقدمة تحت عنوان "عن هذا الكتاب.. عن الكمين الذي حدث"، ويبدأها خليل جابو بمقتطف من رواية لسليم بركات يقول فيه: "البريق الذي التمع على الأدراج المغسولة برذاذ الخريف، قَسَّم خَتْمه نصفين بين آثار "ميدو" المبعثرة على رقعة معناها الحجري".
ويقول عنه: "كان أول سطر قرأته لسليم بركات في حياتي، حين عرفته صيف سنة 2007. أخبرني به صديقٌ مهندس عندما كنَّا جالسين في مقهى "جحى" في ساحة سعدالله الجابري في مدينة حلب. نويتُ لقاءه قبل الذهاب إلى عفرين لتهنئة صديقٍ آخر بتخرُّجه في الجامعة. نصحني صديقي المهندس بقراءة رواية "قرب نهر عفرين"؛ لكوني سألته عن رواية أملأ بها يومي في ذلك الوقت الحار من شهر تموز، قال لي: اقرأ أاقرأ لسليم بركات، حدَّثني عنه وعن لغته التي ينحتها بالإزميل".
وتأتي الأعمال التي يحتويها هذا الكتاب على النحو التالي:
ويتابع خليل جابو في المقدمة: "في الأعمال هذه تفاوتٌ كبير في المجالات جميعها. هناك صعوبة في بعضها نظراً إلى الأفكار التي قام سليم بنسجها بلغةٍ مختلفةٍ تماماً عن اللغة الأدبية السائدة، وهي "أرواح هندسية"، و"الأختام والسديم". أراد في هذه الأعمال أن يطرح أفكاراً جديدة تماماً فنسجها بلغةٍ تتوافق مع طريقة تفكيره؛ أيستطيع عالم الفيزياء أن يتكلم عن نظرية ما بمفردات أدبية؟
وهذه الأعمال كذلك، فالأفكار التي تتضمَّنها كان يجب على سليم أن ينسجها بتلك الطريقة المستعصية على البعض، لتصبح متوازنة من النواحي جميعها، فهي مختلفةٌ في اللغة لا تحمل النسيج نفسه، لتقارب لوحة الفسيفساء في دقتها".
ويتابع خليل جابو في الفقرة التالية مباشرةً: "لكل وطن قوانين وأنظمة يفرضها على المجتمع، وتناسب زمن الأشخاص الذين يفرضون تلك القوانين. ويقول سليم: "اللغة يمكن أن تكون وطناً، شريطة ألَّا تتحول إلى سجن". وقد جعل من لغته وطنه دون تحويلها إلى سجن، ومن قرأ أعماله سيجد اختلافاً واضحاً، إلا إنها تسير وفق نظامٍ واحد اختاره سليم ليكون قانوناً في وطنه (لغته)".
وعن اختيار سليم بركات للعزلة يقول خليل جابو: " ما أردت قوله باختصار أن مقابلتين مرئيتين وعشرات الحوارات على مَرِّ سنوات طويلة، وكتابين عن سيرة حياته، وكتاباً كاملاً عن تفاصيل حياته وأعماله "لوعة كالرياضيّات وحنين كالهندسة"، غير تفاصيله الحياتية التي ألمح إليها في أعماله الروائية، أليست كافية؟ لو أراد أن يخرج للعامة لن يكون لديه وقت لينتج ما ينتجه الآن. أيهما أفضل؛، أن يخرج كل يوم في مقابلة صحفية ويقيم أمسيات لمحبيه والمعجبين به وبكتاباته، أم يقدم لنا أدباً فريداً من نوعه غنيّاً بفكره؟".
يقول خليل جابو في الفصل الثاني، والمعنون "أرواح هندسية": ظاهريات المرئي واللامرئي" عن نظرية سليم في الحروب: "كتب سليم الجزء الأول من مخيلة لا حدود لها، مليئة باللوعة والفقدان وكل التفاصيل التي ترافق الحروب كما ذكرت سابقاً، فيسرد تفاصيل حربٍ خلقها الإنسان ووقودها الإنسان لخدمة الإنسان كما يقولون، وفي النهاية كل الحروب خاسرة، حتى الطرف المنتصر خاسر بطريقةٍ ما، لكن جنون العظمة الذي يملأ النفوس الدنيئة التي تخاطب الناس كما لو أنهم أرقام تأبى بأي شكلٍ من الأشكال الاعتراف بالهزيمة، حتى لو كانت الخسارة واضحة يقولون: "خسرنا جولة ولم نخسر المعركة". في الطرف الآخر من الرواية أو بشكلٍ أدق الجزء الثاني، المكون من تسعة فصول وما يقارب الثلاثين صفحة، كما أشرت سابقاً. يعرّف فيها شكل المدن والناس بعد انتهاء الحروب وما يليها من مصائب وكوارث تحلُّ بالبشر، وبدأ الجزء الثاني بفصل صغير مكون من صفحتين بتصوير المنطقة المجاورة لعمارة "أبي كير"؛ خيام النازحين والحيوانات، ويسرد في الفصول التالية عن تفاصيل حياة البشر بعد الحرب وما تسبِّبه من نتائج سلبية تحيط بالمكان والأشخاص".
وفي الفصل الرابع يتحدث عن رواية معسكرات الأبد، ويأتي الفصل بعنوان "معسكرات الأبد": مجادلات الموتى في جهات بعيدة"، فيقول خليل جابو عن الرواية: " رواية لا تخلو من الرموز والإسقاطات، تتراكم فيها الصور الواقعية أحياناً والخيال أحياناً أخرى. الشخصيات مُرْتَابة ومضطربة، كذلك العناصر المجاورة: حيوانات، وجميعها تقوم بفعلٍ ما وسرعان ما تندم عليه وتجمح منه. كل فصل من الفصول الرواية يضيف حالات انطواء وانزواء في نفوس شخوصها؛، «الموازين والسلالم، المياه وحرائقها، كمائن الفراغ، أحلاف الغيم، القيامة»".
ويضيف خليل جابو عن المكان في تلك الرواية: "والمكان في الرواية يحتاج إلى دَأب كبير ومخيلة أكبر ليستطيع الكاتب أن يؤثر بالأحداث، ولسليم فلسفة عظيمة في هذا الشأن. يقول الفيلسوف والمؤرخ الأميركي هايدن وايت في كتابه «ما بعد التاريخ»: «النزعة التاريخية تقول إبأن الإنسان كائن تاريخي، مرتبط بالتراث ومتأثر بالماضي. وهذه النزعة ترفض وجود غاية عامة للتاريخ، وتتبنى منهجيّاً تفسير الأحداث التاريخية بالتعاطف وتَفَهُّم الأحداث والشخصيات والأزمنة التاريخية المختلفة»".
ويأتي الفصل السابع مخصصاً لرواية "الأختام والسديم"، إذ يقول خليل جابو عن تلك الرواية: " في هذا العمل يروي سليم طريقة صنع الألوان وتحضيرها على أيدي سبعة رسامين جاءوا إلى أرض " ميدو "، يدخل في تفاصيل عديدة عن عالم الألوان وتحضيرها، ويسلِّط الضوءَ في طريقه وهو يروي عن عمل الرسامين على الكثير من الشخصيات في التاريخ، مستحضراً أمكنة من القريب البعيد، والبعيد القريب".
ويختتم جابو ذلك الفصل قائلاً: "في بعض الأحيان شعرت كما لو أنه تنبَّأ لبخرابٍ ما في زمنٍ قريب، لا أستطيع أن أجزم أنه تنبأ بولادة الدولة الإسلامية، لكن هناك مؤشرات تدل على ذلك، هو خيال الكاتب الذي ربما يصيب أو يخيب، لكن أعتقد أنَّ سليم أصاب في هذه الرواية عن الخراب الذي ستحدثه الدولة الإسلامية، رواية يمزج فيها المشهد الكُردي ويتجاوز ذلك ليفشي المُقدّس الذي يروج للقتل وانهيار المجتمع؛ إرثٌ كامل من الحروب بين هولاكو والمغول وتيمور لنك صورٌ دمج فيها الماضي والحاضر والمستقبل بطريقةٍ ساحرة".
ومن الجدير بالذكر أن خليل جابو كاتب وروائي من مدينة عفرين في الشمال السوري، لم يكمل دراسته في الفنون بسبب طرده لأسباب خاصة، ولد عام ١٩٨٣ ومقيم في الدنمارك منذ عام ٢٠١٤.
بدأ الكتابة في الصحف المحلية السورية سنة ٢٠٠٧. صدر له روايتين "السعادة مهنة شاقة"، و "حُفاة الديار".