الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
*عباد الله :* إن السنة النبوية المشرفة هي مصدر أساسي من مصادر تشريع الأحكام في الإسلام. وهي ذات قدر عظيم في شريعتنا الغراء. وهي ما ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، يقول اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾، الحشر: 7، وجعل الله تعالى اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبباً في محبة الله تعالى، وسبباً من أسباب مغفرة الله عز وجل. يقول الله تعالى: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ اللهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ اللهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ﴾ آل عمران: 31.
فأقوال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة يقتدى بها، وأفعال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة يقتدى بها، وسكوته صلى الله عليه وسلم عن أمر تم بحضرته سنة وإقرار يقتدى به. يقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ الأحزاب: 21.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض"رواه الحاكم والدارقطني .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ" رواه الامام احمد وابن ماجه .
وإذا تتبعنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجدناها نواحي عدة ، ومن أهمها:
الناحية الأولى : أن تأتي السنة مكلمة للقرآن الكريم ومفصلة لما جاء فيه مجملا. ومثال ما جاءت به السنة مفصّلة لأحكام القرآن الكريم: قوله سبحانه: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاة﴾ [البقرة: 43]، فهذه الآية تبين فرضية الصلاة، ولكن السنة النبوية المطهرة هي التي بيّنت أركان الصلاة وفروضها وشروطها ومواقيتها وكيفياتها، فبيّنت وشرحت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" رواه البخاري.
وجاء في القرآن الكريم: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ البقرة: 196، وقد بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية الحج والعمرة تفصيلاً، فقال صلى الله عليه وسلم : «يا أيها الناس، خذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا» صحيح مسلم.
ومن أمثلة الأحكام التي جاءت في السنة النبوية استقلالاً حرمة الجمع بين المرأة وعمتها في الزواج، قوله صلى الله عليه وسلم: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا» رواه البخاري.
الناحية الثانية : ذكر الله سبحانه وتعالى على تعدد المقام والزمان والمكان، يقول الله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ﴾، آل عمران:191. وهذا ما بينته سيدتنا عائشة رضي الله عنها في حال سيدنا رسول الله ﷺ: "كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ"، رواه ابن ماجه.
الناحية الثالثة :ما يتعلق بالصفات الخلقية والتعاملات القلبية فنجد سنة النبي صلى الله عليه وسلم ترتقي بالمؤمن إلى فضائل ومكارم الأخلاق وأحسن الصفات، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم:4، وقد وصفت سيدتنا عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: "كان خلُقُهُ القرآن"، رواه أحمد.
الناحية الرابعة: ما يتعلق بطهارة المؤمن وهيئته ونظافته، فنجد السنن العملية في كثير من الأحيان تتناول الهيئة وطهارة البدن والنظافة بشكل عامّ، كالوضوء والغسل وسنن الفطرة والتطيب، وما ارتبط بالصلاة والجمع والجماعات والأعياد من أحكام وسنن تجعل المؤمن على أجمل صورة وأحسن هيئة.
وبهذا يعلم بطلان القول بأن القرآن الكريم هو الحجة فقط ولا يحتج بالسنة فقد ردّ القرآن الكريم على الذين لا يرضون من الأحكام ما جاءت به السنة أصلاً أو بياناً، قال الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ النساء: 65، وقوله تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ﴾، النساء: 80، وقوله تعالى: ﴿إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ﴾ الأنعام: 50، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء في الحديث الشريف: "يوشك الرجل متكئاً على أريكته، يحدث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عزّ وجل، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله" رواه ابن ماجه.
واعلموا أن القول بترك السنة وعدم الاحتجاج بها يؤدي إلى تعطيل أحكام الله تعالى، لأن نتيجة ذلك عدم الأخذ بأكثر أحكام هذا الدين، وعدم العمل بأوامر القرآن الكريم، فكيف نعرف هيئات الصلاة ومقادير الزكاة وأحكام الطهارة وتفاصيل المعاملات وغير ذلك دون البيان من السنة النبوية المطهرة.
وقد أحيطت السنة النبوية بتلك العلوم الدقيقة وأولئك العلماء الأفذاذ الذين جمعوا سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم وشرحوها ووضعوا قواعد الحكم على الحديث ورجاله، وبينوا درجاته وأحكامه بدقة متناهية، فحفظت سنة النبي صلى الله عليه وسلم عبر القرون أيّما حفظٍ، وضبطت أيّما ضبطٍ.
اللهم إنا نتوجه إليك في غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. اللهم ارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول إليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافِ الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة وفلسطين. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والأذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ سورة آل عمران:102. واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الاحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾ سورة الأحزاب: الآية43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس. واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر". وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بدعاء الكرب وهو: ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول ( حسبنا الله ونعم الوكيل )،لأنّ الله تعالى يقول: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران:173،174.
*سائلين الله تعالى أن يحفظ الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد ، إنه قريب مجيب.*