أسواق إربد القديمة رمزا للبساطة والترابط
الاجتماعي ما زالت حية في ذاكرة الأجيال التي عاصرتها
نيروز – محمد محسن عبيدات
تعد مدينة إربد، الواقعة في شمال الأردن،
واحدة من أقدم المدن في المنطقة، وتميزت عبر تاريخها بطابعها التراثي والحضاري. كانت
الأسواق في مدينة إربد القديمة مركزا حيويا للحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية،
إذ لعبت دورا مهمًا في تلبية احتياجات السكان وتبادل السلع والخدمات.
كانت أسواق إربد تتسم بطابعها البسيط والعفوي،
حيث أُنشئت معظمها في أماكن مفتوحة أو داخل أزقة ضيقة تزينها بيوت الطين والحجارة.
وكانت الأسواق غالبا ما تُقام في مناطق مركزية يسهل الوصول إليها من قبل سكان المدينة
والقرى المجاورة.
كانت الأسواق تقسم إلى عدة أقسام وفقا لأنواع
السلع والخدمات المتوفرة. ومن أبرز هذه الأقسام: سوق الحبوب والبقوليات: كان يعتبر من أهم
الأسواق، حيث كانت الحبوب مثل القمح والشعير تجلب من القرى المحيطة وتباع للتجار والمستهلكين. سوق الماشية: كان يقام عادة في أطراف المدينة،
ويخصص لتجارة الأغنام والأبقار والماعز. سوق الحرفيين: كان يضم الحرفيين الذين يعملون
في مهن تقليدية مثل النجارة، الحدادة، وصناعة الفخار. سوق الملابس والمنسوجات: كانت تباع فيه الملابس
التقليدية والمنسوجات اليدوية التي تشتهر بها المنطقة. سوق البقالة: ضم التجار الذين يبيعون الزيوت،
التمور، العسل، والتوابل التي كانت تأتي من مناطق بعيدة.
أسلوب البيع والتبادل: اعتمدت الأسواق القديمة في إربد بشكل كبير
على نظام المقايضة، حيث كان السكان يتبادلون السلع فيما بينهم. ومع تطور التجارة، أصبح
استخدام النقود أمرًا شائعًا، خاصة مع زيادة التبادل التجاري مع المدن المجاورة.
لم تكن الأسواق مكانا للتجارة فقط، بل كانت
ملتقى اجتماعيا يجتمع فيه الناس لتبادل الأخبار والأحاديث. كما كانت تُقام فيها احتفالات
ومناسبات اجتماعية مثل الأعياد والمواسم الزراعية. كان معظم الأسواق مغطى بسقوف من الخشب أو
القش لحماية البضائع من أشعة الشمس والمطر. كما كانت الأزقة ضيقة لتوفير الظل الطبيعي
وتقليل تأثير الحرارة. إلى جانب الأسواق اليومية، كان هناك ما يعرف
بـ "الحسبة"، وهي سوق يقام مرة واحدة في الأسبوع، حيث يجتمع فيه التجار من
مختلف القرى والبلدات لعرض بضائعهم. وكانت هذه الأسواق تعتبر حدثا مهما يتنظرونه السكان
بفارغ الصبر. مع مرور الزمن، تطورت مدينة إربد وتغيرت ملامحها،
ما أدى إلى اختفاء معظم الأسواق القديمة أو تحولها إلى أسواق حديثة. إلا أن ذكرياتها
لا تزال محفورة في ذاكرة الأهالي، وتبقى شاهدة على حقبة غنية من تاريخ المدينة.
كانت أسواق إربد القديمة رمزا للبساطة والترابط
الاجتماعي، وعكست في تصميمها ونشاطها طبيعة الحياة في ذلك الوقت. وعلى الرغم من اندثار
هذه الأسواق التقليدية، إلا أن روحها ما زالت حية في ذاكرة الأجيال التي عاصرتها.
الصورة
من صفحة الباحث بالتراث عصام كريزم وتوثيق ديوان كريزم
بيت اربد التراثي