منذ أن أطلت على الشاشة الأردنية في تسعينيات القرن الماضي، تركت الإعلامية إيمان ناجيّا بصمتها الخاصة في الوجدان الإعلامي الأردني. حضورها الهادئ، وصوتها الرزين، ووعيها العميق بأهمية الكلمة المنطوقة والمشهد المعبّر، جعل منها واحدة من أبرز وجوه التلفزيون الأردني في تلك الحقبة التي تميزت بالمهنية والالتزام والرسالة.

حصلت إيمان ناجيّا على درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من الجامعة الأردنية عام 1977، بتخصص فرعي في التربية وعلم النفس، فيما بعد واصلت دراستها العليا لتحصل على درجة الماجستير في الصحافة والإعلام من جامعة البترا. وقد منحتها هذه الخلفية الأكاديمية المتنوعة رؤية متكاملة جمعت بين اللغة والفكر والإحساس بالإنسان، فانعكس ذلك في حضورها الإعلامي المتوازن القائم على الثقافة والوعي والمسؤولية.

بدأت مسيرتها الإعلامية في الإذاعة الأردنية منتصف عام 1990، حيث التحقت بفريق العمل الإذاعي لتقدّم نشرات الأخبار وبرامج مباشرة على الهواء. كان من أبرز تلك البرامج "البث المباشر" الذي شكّل منعطفًا مهنيًا مهمًا في مسيرتها، إذ ساعدها على تطوير لغتها العربية وأساليب التواصل مع المستمعين، وعمّق لديها الإحساس بالمسؤولية تجاه الكلمة والموضوع والمستمع. تقول إيمان إن هذا البرنامج كان مدرسة حقيقية في التعامل مع الجمهور، وفي فن الإصغاء والتفاعل مع قضايا الناس اليومية.

وفي الوقت ذاته، كانت طموحاتها تتجه نحو الشاشة الصغيرة، فكان انتقالها إلى التلفزيون الأردني خطوة طبيعية بعد ثلاث سنوات من العطاء الإذاعي. هناك بدأت بتقديم برنامجها الأول "شباب واعدون"، وهو برنامج اجتماعي شبابي كانت تعدّه وتقدّمه بنفسها أثناء عملها في الإذاعة، قبل أن يتحول لاحقًا إلى مساحة حوارية تلقي الضوء على طاقات الشباب الأردني وإنجازاتهم، وتطرح قضاياهم وتحدياتهم بروح موضوعية ومتفائلة.

أما ظهورها الأول على الشاشة فكان من خلال برنامج "مجلة التلفزيون" الذي قدّمته إلى جانب الإعلامية إخلاص يخلف، وهو أحد البرامج المتنوعة التي جمعت بين الترفيه والثقافة والتقارير الميدانية، وأتاح لها فرصة التعامل المباشر مع الكاميرا والجمهور. وقد ساهم هذا البرنامج في ترسيخ صورتها كمذيعة لبقة ومتمكنة تجمع بين الحضور الراقي والثقة في الأداء.

كانت إيمان ناجيّا صاحبة فكرة إطلاق البرامج الصباحية في التلفزيون الأردني، حيث كانت تتابع البرنامج الأمريكي الشهير Good Morning America، واستلهمت منه فكرة تقديم برنامج صباحي أردني يواكب روح العصر ويخاطب العائلة الأردنية بأسلوب مشرق ومتجدد. وقد عرضت الفكرة على المدير العام للتلفزيون آنذاك، المهندس راضي الخص، الذي استحسن الفكرة وأبدى حماسًا كبيرًا لتنفيذها.

لكن ولأسباب فنية وإدارية في تلك الفترة، تعذر إطلاق البرنامج بشكل يومي، فتم تنفيذ الفكرة بصيغة أسبوعية تحت اسم يسعد صباحك، وتم تكليف الإعلامية جمان مجلي بتقديمه. وبعد انتهاء فترة تقديمها للبرنامج، طُلب من إيمان ناجيّا أن تتولى المهمة، لكنها اعتذرت في حينه، ليُكلف لاحقًا بتقديم البرنامج الإعلامية منتهى الرمحي.

لاحقًا، تم تكليف إيمان ناجيّا بتقديم البرنامج الصباحي يوم جديد، حيث كانت في بعض الأعوام تتولى بنفسها إعداد الحلقات وتقديمها، في تجربة عززت مكانتها كمذيعة شاملة تجمع بين الإعداد والبحث الميداني والحضور التلفزيوني الراقي.

تميّز هذا البرنامج بطابعه الوطني والإنساني، إذ تناول قصص نجاح من مختلف المحافظات الأردنية، واستضاف شخصيات سياسية، وإعلامية، وأكاديمية، وفنية، وثقافية، واجتماعية، كان لكل منها دور في نهضة الوطن. وقد قدّمت أيضًا من خلاله حلقات خاصة عن المواقع السياحية الأردنية، كان بعضها من إنتاج وزارة السياحة، بهدف إبراز جمال الأردن وتراثه الإنساني والحضاري.

على مدى سنواتها في التلفزيون الأردني، شاركت إيمان ناجيّا في تقديم عدد من البرامج التي أصبحت جزءًا من ذاكرة المشاهد الأردني، مثل "ستون دقيقة"، و"يوم جديد"، و"ليالي رمضان". لكنّ الأقرب إلى قلبها كانت البرامج الاجتماعية، إذ وجدت فيها المساحة الأوسع للتعبير عن قضايا الناس والتأثير في الرأي العام. من أبرز هذه البرامج "حديث الناس"، الذي كان من أوائل البرامج التلفزيونية الأردنية التي اقتحمت موضوعات اجتماعية شائكة كانت تُعتبر "تابو" في ذلك الوقت، مثل جرائم الشرف والعنف الأسري وقضايا المرأة والطفل. ومن خلال هذا البرنامج، كانت إيمان أول مذيعة أردنية تصوّر داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، لتقدّم قصصًا واقعية بلغة إنسانية جريئة ومسؤولة.

وفي عام 2000، خاضت إيمان ناجيّا تجربة جديدة خارج الأردن عندما انتقلت إلى مملكة البحرين، حيث عملت في قناة وإذاعة الفضاء البحرينية كمذيعة أخبار ومحررة ومنتجة برامج، وقدّمت مجموعة من البرامج الصباحية والثقافية التي جمعت بين المعرفة والخدمة العامة. استمرت في عملها الإعلامي هناك حتى عام 2006، لتنتقل لاحقًا إلى العمل في وزارة الأشغال البحرينية، حيث شغلت عام 2010 منصب رئيسة الإعلام والخدمة المجتمعية، وأدارت من خلاله الحملات الإعلامية والعلاقات العامة والفعاليات الرسمية. بعد هذه التجربة الخليجية الغنية، عادت إلى الوطن لتستأنف مسيرتها في التلفزيون الأردني من خلال البرنامج الميداني «على الطريق» الذي أعدّته وقدّمته حتى نهاية عام 2014.

بعد انتهاء عملها في التلفزيون، تابعت إيمان ناجيّا العطاء من خلال الإذاعة الأردنية، حيث واصلت تقديم البرامج الحوارية والثقافية، محافظةً على أسلوبها الرصين في الأداء ولغتها السليمة التي شكلت قدوة لجيل جديد من المذيعين والمذيعات.

إضافة إلى ذلك، قامت بتدريب الإعلاميين الشباب في الأردن والعالم العربي على مهارات الاتصال والبث والإنتاج الإعلامي، من خلال التعاون مع مركز الإعلاميات العربيات، والمعهد الجمهوري الدولي، والاتحاد الأوروبي. كما قدمت أداءً صوتيًا متميزًا في العديد من الأفلام الوثائقية والتعليمية والاجتماعية والثقافية المنتجة في الأردن والمنطقة.

تتقن اللغتين العربية والإنجليزية بطلاقة، وتمتلك خبرة واسعة في الترجمة والتحرير وكتابة المحتوى والتعليق الصوتي، وهي عضو في جمعية المذيعين الأردنيين، وجمعية الإعلاميات العربيات، وجمعية العلاقات العامة البحرينية، وشبكة النساء من أجل الديمقراطية.

كانت إيمان ناجيّا صوتًا واعيًا ومهنيًا حمل رسالة الإعلام الأردني الأصيل؛ إعلامًا يجمع بين الحرية والمسؤولية، وبين الصراحة والاحترام، والإبداع والالتزام. امتدت مسيرتها بين الميكروفون وعدسة الكاميرا لتجسّد معنى الكلمة الصادقة وروح الإنسان التي تسمو فوق بريق الشهرة.

عماد الشبار