في الأسواق الأردنية، لم يعد ارتفاع الأسعار حدثاً عابراً أو ظرفاً مؤقتاً، بل تحوّل إلى جزء من تفاصيل الحياة اليومية التي يلمسها المواطن في كل خطوة. من أجرة المواصلات إلى زجاجة الزيت، ومن فاتورة الكهرباء إلى ثمن الخبز، تتكرر الزيادات بشكلٍ ملحوظ بينما تبقى الرواتب ثابتة لا تواكب هذا الإيقاع المتسارع، فتزداد الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة يوماً بعد يوم.
ومع اقتراب فصل الشتاء، تتضاعف المخاوف من عبء التدفئة والكهرباء، ليصبح الحديث عن المعيشة هاجساً يومياً في كل بيت أردني. فالأسر التي كانت ترى في الشتاء موسماً للدفء العائلي، باتت اليوم تحسب تكلفة كل لتر كاز وكل كيلو واط من الكهرباء قبل إشعال المدفأة، في معادلة قاسية بين الحاجة والقدرة.
يتابع المواطن الأردني باهتمام أخبار تشكيل الحكومات وتبديل الوزراء، لكنه يدرك أن الأزمة الاقتصادية ليست وليدة اللحظة، بل تتأثر أيضاً بعوامل إقليمية ودولية تضغط على الأردن، من تراجع المساعدات وارتفاع أسعار الطاقة إلى اضطرابات الأسواق العالمية. ومع ذلك، لا يزال الأمل قائماً بأن الإصلاحات الاقتصادية والسياسية ستتكامل لتنعكس إيجاباً على حياة الناس، وأن تحسين الوضع المعيشي سيبقى المعيار الحقيقي لنجاح أي حكومة أو خطة وطنية.
وفي الوقت ذاته، تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى مرآة صادقة تعكس نبض الشارع الأردني، حيث تتصدر الهاشتاغات عناوين النقاش، وتنتشر المقاطع القصيرة التي توثّق معاناة الناس وهمومهم. وبين سطور هذه المنشورات، يظهر وعي شبابي متزايد يرى في هذه المنصات وسيلة للتعبير والمطالبة والإصلاح السلمي.
ورغم كل هذه الضغوط، يظل المواطن الأردني صامداً متفائلاً، يتمسك بالأمل ويطالب بخطوات عملية ملموسة تعزز الثقة وتفتح آفاقاً جديدة للشباب وتخفف عن الأسر عبء الغلاء. فالأردن الذي بقي ثابتاً وسط منطقة مضطربة، يحتاج اليوم إلى إدارة رشيدة للموارد، وإلى مبادرات حقيقية تخلق فرص عمل وتعيد التوازن الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع.
أما الزيت، الذي كان يوماً رمزاً للبركة في بيوت الأردنيين، فقد أصبح حديث الناس اليوم. ففي الشتاء، تجتمع الأسر حول النار، ويُعدّ الزيت طبقاً رئيسياً على موائدهم، سواء مع الحمص والفول أو الزعتر. إلا أن الأسعار المتصاعدة جعلت المواطن يفكر ألف مرة قبل أن يشتري "تنكة الزيت"، بعد أن تحولت إلى عبء مالي مضاعف، حتى بات البعض يتندر بالقول: "هل سيأتي اليوم الذي نستدين فيه الزيت كما نستدين الخبز؟”.
إن الزيت ليس ترفاً، بل هو أساس في كل بيت أردني، ورمز للحياة البسيطة التي عرفها الآباء والأجداد. لكن في ظل هذا الغلاء المتزايد، أصبح السؤال الحقيقي: كيف سيحافظ الأردني على نمط حياته البسيط؟ وهل ما زال الأمل قائماً بأن تعود الأسعار إلى حدودها المنطقية؟