بعد سلسلة اتصالات ولقاءات مكثفة، تتجه العلاقات الصناعية والتجارية بين الأردن وسوريا نحو مرحلة أكثر تنظيمًا، بعد سنوات من التراجع الحاد الذي فرضته الظروف الأمنية والسياسية على الحدود. ورغم أن حجم التبادل ما يزال متواضعًا مقارنة بمرحلة ما قبل الأزمة السورية، إلا أن المؤشرات المتراكمة خلال العامين الأخيرين توحي بوجود مسارٍ تدريجي لإعادة تفعيل الروابط الاقتصادية، مدفوعًا بضرورات جغرافية وتكامل صناعي يربط البلدين منذ عقود، لتكون هذه العلاقة نموذجًا للتكامل الإقليمي القائم على الشراكة والثقة.
وبحسب المعطيات، تعمل اللجان الاقتصادية المشتركة على تحديث بروتوكولات التبادل التجاري وتسهيل عمليات دخول وخروج الشاحنات عبر معبر جابر–نصيب، الذي يشكل البوابة الأهم لحركة تجارة الترانزيت الأردنية باتجاه الشمال، خصوصًا أن إعادة انتظام الحركة التجارية مع سوريا ليست خيارًا تكميليًا، بل ضرورة ترتبط باستقرار سلاسل التوريد الأردنية وتمكين الصادرات من الوصول إلى أسواق أوسع.
ويقول رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير لـ«$» إن العلاقات الصناعية بين الأردن وسوريا شهدت خلال الفترة الماضية تطورًا ملحوظًا نتيجة سلسلة من اللقاءات والاجتماعات الفنية والاقتصادية المشتركة، التي ركزت على تسهيل انسياب السلع وتفعيل الممرات البرية وتنسيق الإجراءات اللوجستية.
موضحًا أن هذه الجهود أسهمت في فتح مرحلة جديدة من التعاون العملي، خصوصًا في القطاعات المرتبطة بإعادة الإعمار مثل مواد البناء، والصناعات الهندسية، والطاقة، إلى جانب اتساع مشاركة الشركات الأردنية في الفعاليات والمعارض الصناعية السورية، ما عزز حضور الصناعة الأردنية داخل السوق السوري، وأدى إلى نمو كبير في الصادرات الأردنية خلال العام الحالي.
ويطرح الملف الصناعي نفسه كأحد أكثر الملفات قدرة على إحداث اختراق في العلاقات الثنائية، خصوصًا مع وجود خبرات صناعية مشتركة وإمكانية إقامة خطوط إنتاج داخل المناطق الحرة. ويشير صناعيون إلى أن «السوق السورية تاريخيًا كانت امتدادًا طبيعيًا للصناعة الأردنية، والعودة إليها تعني زيادة الإنتاج وخلق فرص عمل وتعزيز تنافسية القطاع».
ويرى خبراء اقتصاديون أن الأردن يمتلك ميزة في الصناعات الدوائية والكيميائية والغذائية، بينما تمتلك سوريا قاعدة جيدة من الصناعات الإنشائية والزراعية، ما يجعل تبادل المنتجات بين البلدين قائمًا على قاعدة تكامل في سلاسل الإنتاج لا على منافسة مباشرة.
ويقول رئيس غرفة تجارة الأردن: «نحن أكبر وفد اقتصادي زار سوريا. هناك رغبة كبيرة لدى الجانب السوري في أن نكون شركاء معهم في إعادة بناء سوريا، والفرص كبيرة في أن نُسرع بالتوجه نحو سوريا من خلال سلسلة قرارات، أبرزها إلغاء قرار منع استيراد سلع من سوريا لعدم وجود مبرر له، إضافة إلى إعادة النظر برسوم الترانزيت. فالأردن أقرب إلى سوريا، والعلاقة يجب أن تقوم على التكامل الاقتصادي، وسوريا شريك حقيقي.
أما في الجانب التجاري، فيضيف: «هناك فرصة قوية لتزويد السوق السوري بكل ما يحتاجه. ورغم تضاعف أرقام العبور بالشاحنات أربع مرات عن السابق من خلال النقل عبر العقبة إلى سوريا، إلا أن هناك حاجة في السوق السوري لمادة الإسمنت. وفي مجال الاستثمار، سنستقبل الأسبوع المقبل وفدًا من رجال الأعمال من دمشق ونتوقع بناء شراكات قوية، كما نعمل على بناء منتدى اقتصادي متكامل مع سوريا في مختلف القطاعات، وتعزيز التشبيك بين رجال الأعمال من الطرفين، وفي مجال السياحة والاستثمار أيضًا».
وبالنسبة للقطاع الخاص، يجب أن يكون شريكًا، فهناك توأمة بيننا وبين غرفة التجارة السورية. والأردن أمام فرصة مهمة يجب ألا تضيع، وقد قدمنا كل الدعم الفني للأشقاء في سوريا.
وشهد التبادل التجاري بين الأردن وسوريا ارتفاعًا كبيرًا خلال العام الحالي؛ إذ بلغت الصادرات الأردنية إلى سوريا نحو 152 مليون دينار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام، مقارنة بـ31 مليون دينار فقط في الفترة ذاتها من العام الماضي، في حين ارتفعت المستوردات السورية إلى الأردن لتصل إلى 68 مليون دينار مقابل 34 مليون دينار خلال الفترة نفسها.خالد الخواجا "الرأي"