تشهد المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات عزوف الشباب عن الزواج، وهي ظاهرة أصبحت تُقلق الأسر وصنّاع القرار على حدٍّ سواء. ورغم أنّ غلاء المهور وتكاليف الزواج تعدّ من الأسباب المعروفة، إلا أنّ المشكلة أعمق من ذلك بكثير، إذ ترتبط بظروف اقتصادية صعبة، وتحولات اجتماعية معقدة، وتغير في أولويات الأجيال الجديدة.
وفي مقدمة هذه الأسباب البطالة وتراجع فرص العمل، إلى جانب التحولات في سوق العمل ودخول المرأة بشكل أوسع ضمن سياسات دولية تهدف للمساواة، مما أدى — في ظل محدودية الفرص — إلى شعور بعض الشباب بأنهم أصبحوا خارج دائرة التوظيف، الأمر الذي انعكس مباشرة على قدراتهم على الزواج وتأسيس أسرة مستقرة.
---
أولًا: البطالة… العائق الأكبر أمام الزواج
تُعد البطالة السبب الأكثر تأثيرًا في عزوف الشباب عن الزواج في الأردن وكثير من الدول العربية. فالشاب اليوم يقف أمام واقع اقتصادي قاسٍ يتمثل في:
ارتفاع نسب البطالة بين المتعلمين والخريجين
محدودية الفرص الحكومية
ضعف القطاع الخاص
ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن
هذه الظروف تجعل الشاب غير قادر على تأمين دخل ثابت يمكّنه من تحمل مسؤوليات الزواج والنفقة، وهو ما يدفعه إلى تأجيل هذه الخطوة لأجل غير معلوم.
---
ثانيًا: التحولات في سوق العمل ودخول المرأة بقوة
شهد سوق العمل خلال العقدين الأخيرين توسعًا كبيرًا في مشاركة المرأة الاقتصادية، وهذا في حد ذاته مكسب تنموي مهم.
لكن المشكلة تكمن في أن الاقتصاد المحلي غير قادر على توفير فرص كافية للجميع، ومع دخول أعداد كبيرة من النساء بدعم من برامج وتمويل واتفاقيات دولية، أصبح الشباب — في ظل محدودية الوظائف — يشعرون بأن الفرص تقلّصت أمامهم.
هذا الشعور لا يعني أن عمل المرأة هو المشكلة، بل إن ضيق السوق وضعف النمو هو السبب الحقيقي، إذ لا يمكن للسوق المحدود أن يستوعب الأعداد الكبيرة من الباحثين عن عمل من الجنسين، مما يؤدي إلى منافسة عالية وارتفاع معدلات البطالة لدى الشباب.
---
ثالثًا: تكاليف الزواج والضغوط الاجتماعية
رغم الدعوات المستمرة لتخفيف المهور والتكاليف، ما زالت الكثير من الأسر تضع شروطًا صعبة، مثل:
تجهيز بيت كامل ومؤثث
حفلات خطوبة وزفاف مكلفة
مهور مرتفعة نسبيًا
مقارنات مجتمعية تزيد الضغط على الشاب
هذه العادات تحوّل الزواج من مشروع أسرة إلى مشروع مالي ضخم، يحتاج أحيانًا إلى سنوات من الادخار أو الاستدانة.
---
رابعًا: اختلاف أولويات الجيل الجديد
جيل الشباب اليوم يبحث عن الاستقرار الوظيفي قبل الزواج، ويرغب بأن يبدأ حياته بمستوى معين من الأمان الاقتصادي. بينما ترى بعض الأسر أن الظروف تتحسن مع الوقت وأن على الشاب أن يبدأ ثم يبني نفسه لاحقًا. هذا الاختلاف في التوقعات يخلق فجوة تؤخر الإقدام على الزواج.
---
خامسًا: الرؤية الشرعية ودورها في التوازن الاجتماعي
الإسلام يحث على الزواج ويعتبره ميثاقًا غليظًا ومسؤولية اجتماعية وأخلاقية، ويجعل النفقة على الرجل ما دام قادرًا. لكنه لم يمنع المرأة من العمل أو المشاركة في التنمية، وإنما يرفض تحويل الرزق إلى صراع بين الرجل والمرأة.
لذلك، فإن معالجة المشكلة لا تكون بوقف عمل النساء أو الحد منه، بل تكون عبر:
توفير فرص عمل عادلة ومتوازنة
دعم الشباب ليكونوا قادرين على تأسيس أسر
تعزيز قيم التيسير في الزواج
إصلاح الأنماط الاقتصادية والاجتماعية التي تضغط على الطرفين.