في الذاكرة الوطنية الأردنية، تُخلَّد أسماء رجالٍ صنعوا المجد بعرقهم ودمائهم ومواقفهم الصلبة، رجالٍ لا تغيب ذكراهم مهما مرّ الزمن، ومن بينهم يبرز الشهيد وصفي التل بوصفه رمزًا وطنيًا خالدًا، وشخصية استثنائية لا تتكرر في تاريخ الأردن الحديث.
يُعدّ وصفي التل مدرسة قائمة بذاتها؛ مدرسة في الإخلاص، وفي الانتماء، وفي العطاء الذي لم يعرف حدودًا. كان رجل دولة من طرازٍ رفيع، قويّ الإرادة، ثابت المبادئ، يحمل الأردن في قلبه وفي كل قرار اتخذه. أحبّه الأردنيون لصدقه وجرأته وقربه منهم، ولأنه كان يرى في الوطن رسالة وفي المواطن شريكًا.
وهنيئًا لأهل إربد بهذا الإرث العظيم؛ فوصفي التل ابن الشمال، وابن صمد، وابن كل بيت أردني يؤمن بأن الوطن أكبر من الأشخاص، وأن التضحية لأجله شرفٌ لا يناله إلا الكبار. لقد شكّل وصفي أحد أعمدة الدولة، ورمزًا من رموز السيادة والصلابة والرجولة السياسية، وظلّ حاضراً في وجدان كل أردني حرّ وشريف.
وفي الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1971، امتدت يد الغدر لتغتاله داخل أروقة جامعة الدول العربية، على يد أفراد من منظمة أيلول الأسود، بينما كان يؤدي واجبه الوطني بكل شجاعة وثبات. فكان رحيله صدمة مدوّية هزّت الأردنيين كافة، إذ فقدوا قائدًا وطنيًا لم يعرف إلا الحق، ولم يسعَ إلا لخدمة الأردن ورفعته.
شيّع الأردنيون جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير في بلدة صمد بمحافظة إربد، لكن ذكراه لم تُدفن؛ بقيت حيّة في القلوب، تُروى للأجيال، وتُستحضَر كلما ذُكر الوفاء والرجولة والولاء للوطن.
رحم الله الشهيد وصفي التل، وأسكنه جنات الخلود، وجعل ذكراه نورًا لا ينطفئ في قلوب أبناء الوطن، وعنوانًا ثابتًا لمعنى الرجولة السياسية والانتماء الحقيقي للأردن.