نعمت الناصر: اللون الذي يشبه الوطن… والفنانة
التي تشبه نفسها
نيروز –
خاص – محمد محسن عبيدات
في فضاءٍ يملؤه عبق الألوان وروح المكان،
كان لنا في وكالة نيروز الإخبارية هذا اللقاء الخاص مع الفنانة التشكيلية الأردنية
نعمت الناصر، التي استطاعت أن تحفر اسمها في ذاكرة الفن التشكيلي بطريقتها الخاصة،
ليس فقط بأعمالها، بل بعفويتها، أخلاقها، وحضورها الإنساني الآسر.
س: بدايةً… من هي نعمت الناصر؟ وكيف تشكلت
أول ملامح موهبتك؟
الناصر: أنا ابنة إربد، مدينة الضوء والذاكرة. نشأت
في بيئة تحب الجمال وتقدّره، وكنت منذ طفولتي أميل للرسم واكتشاف مفردات الطبيعة. الصورة
الأولى التي حفرت في داخلي كانت لملامح الريف، البيوت القديمة، ووجوه النساء اللواتي
يشبهن الحكايات. من هناك بدأت علاقتي مع اللون، علاقة تنمو معي حتى اليوم.
س: ما الذي قادك إلى احتراف الفن التشكيلي؟
الناصر: الموهبة كانت الشرارة الأولى، لكن الدراسة
والبحث والتجريب كانوا الطريق الحقيقي. درست الفنون وشاركت في ورشات كثيرة، وكنت أتعلم
من كل تجربة. الفن بالنسبة لي ليس مهنة فقط، بل أسلوب حياة، ومساحة لأتعرّف من خلالها
على ذاتي وعلى الآخرين.
س: حضورك في المشهد الفني أصبح لافتاً… كيف
تقدمين نفسك اليوم كفنانة؟
الناصر: أقدّم نفسي كفنانة تبحث عن الحقيقة في اللون،
وعن الهوية في التفاصيل. أعمالي تميل لمزج الواقعية بالتجريد، مع حضور قوي للتراث الأردني
والمرأة تحديداً. أحب أن تكون لوحتي حكاية، وأن يشعر المشاهد بأنها تلمسه من الداخل.
س: شاركتِ في العديد من المعارض… ما أبرز
المحطات في مسيرتك؟
الناصر: من أجمل المحطات كانت معارضي الفردية في إربد
وعمّان، إضافة إلى مشاركاتي الجماعية مع فنانين أردنيين وعرب. كل معرض كان تجربة جديدة،
ونافذة أتواصل من خلالها مع جمهور مختلف. كذلك كانت ورشات العمل مع الطلبة والأطفال
محطة مهمة جداً، لأنها تمنحني إحساساً بالاستمرار ونقل الشغف للأجيال.
س: كيف يصفك الآخرون؟ وما الذي يميز حضورك
في الوسط الفني؟
الناصر بابتسامة: غالباً ما يصفني الآخرون بالهدوء، والإنصات،
والبساطة. أحب التعامل مع الجميع بمحبة واحترام، وأؤمن بأن الفن الحقيقي لا يكتمل دون
أخلاق. في المشهد الفني أحاول أن أكون قريبة من الناس، وأن يكون حضوري خفيفاً وأصيلاً.
ربما هذا ما يلحظه كثيرون… أنني أقدم نفسي كما أنا، من دون تصنع أو مبالغة.
س: أعمالك تتميز بلمسة إنسانية واضحة… من
أين تستمدين هذه الروح؟
الناصر:من الناس. من المرأة التي تقاوم بصمت.
من الحكايات التي نسمعها ولا تُكتب. من الريف الذي يرفض أن يختفي. ومن الأردن الذي
أحبّه في كل تفاصيله. اللوحة بالنسبة لي ليست إطاراً معلقاً، بل مساحة للحياة.
س: كيف ترين دور الفن في المجتمع؟
الناصر: الفن رسالة وجسر، وليس مجرد ترف. هو أداة
للتعبير، ولحفظ الذاكرة، ولتعزيز الهوية. الفنان الحقيقي يضيف قيمة، يضيء زاوية، يترك
أثراً. ونحن في الأردن نملك جيلاً رائعاً من الفنانين الذين يبنون مشهداً بصرياً محترماً
ومؤثراً.
س: كان لكِ مؤخراً تكريم من جمعية سيدات إربيلا
الثقافية… ماذا يعني لكِ ذلك؟
الناصر: هذا التكريم كان لحظة امتلاء وامتنان.
أن تجد مؤسسات مجتمعك تقدّر جهدك وتحتفي بك، فهذا يمنحك دافعاً للاستمرار والعطاء.
وافتتاح معرضي على هامش الحفل كان مناسبة جميلة لعرض مجموعة من أعمالي التي أحبها.
س: ما الجديد لدى نعمت الناصر؟
الناصر: أعمل الآن على مجموعة جديدة من الأعمال التي
تستلهم فكرة "ذاكرة المكان”. كما أنني بصدد التحضير لمعرض موسع سيجمع محطات مختلفة
من تجربتي، إضافة إلى استمرار مبادراتي الفنية مع الطلبة والأطفال.
س: كلمة أخيرة لجمهورك ولقرّاء وكالة نيروز
الإخبارية؟
الناصر: أقول للجمهور: شكراً لأنكم تمنحون الفن معنى.
وشكراً لوكالة نيروز الإخبارية على هذا اللقاء الذي يفتح نافذة للحديث بلغة القلب.
وأعدكم أن أستمر في تقديم الفن الذي يشبهكم ويشبه هذا الوطن الجميل.
في نهاية اللقاء، بدت نعمت الناصر كما لو
أنها تشبه إحدى لوحاتها؛ هادئة، أنيقة، وصادقة. فنانة لا تصنع حضورها من ضجيج، بل من
أثرٍ عميق يتركه اللون أينما حلّت. إنها واحدة من الأصوات التشكيلية التي تستحق أن
تُروى تجربتها، وأن يُسلَّط الضوء على حضورها الإنساني قبل الفني.