تكشف بيانات سوق الطاقة خلال الأشهر الأخيرة عن زيادة واردات الصين من النفط السعودي بوتيرة لافتة، رغم أن الأسواق العالمية تعاني من وفرة كبيرة في المعروض وضعف نسبي في الطلب. ويعكس هذا التطور سلسلة اعتبارات استراتيجية وتجارية دفعت بكين إلى تعزيز اعتمادها على الخام السعودي في توقيت حساس تشهد فيه سوق النفط تحولات واسعة. وتبرز هذه الزيادة كجزء من رؤية صينية أوسع لضمان أمن الإمدادات، والبحث عن أسعار مواتية، ودعم نشاط المصافي المحلية.
الأسعار التنافسية للخام السعودي
تعتمد زيادة واردات الصين من النفط السعودي بشكل واضح على السياسات السعرية التي اعتمدتها الرياض خلال فترات معينة، إذ قامت المملكة بتخفيض أسعار البيع الرسمية المتجهة إلى الأسواق الآسيوية، مما جعل خامها أكثر جاذبية مقارنة بخام الأورال الروسي أو خامات إفريقيا الغربية. وتمنح هذه التسعيرة للصين فرصة شراء كميات أكبر بتكلفة أقل، وهو ما يشكّل عاملاً مؤثراً في قرارات المصافي التي تبحث عن تقليل المصروفات دون المساس بالجودة.
قوة العقود طويلة الأجل
يعتمد جزء مهم من زيادة واردات الصين من النفط السعودي على العقود الاستراتيجية الممتدة بين الجانبين. فالسعودية، بصفتها أكبر مصدر للنفط في العالم، تربطها بالصين اتفاقات توريد طويلة الأجل تضمن وصول كميات ثابتة من الخام بغض النظر عن تقلبات الأسواق الفورية. ويساعد هذا النوع من التعاقدات في تعزيز أمن الطاقة لدى ثاني أكبر اقتصاد عالمي، كما يقلل المخاطر المرتبطة بتغيرات الأسعار المفاجئة أو الأزمات الجيوسياسية.
توسع طاقة التكرير الصينية
تزامنت زيادة واردات الصين من النفط السعودي مع ارتفاع نشاط المصافي الصينية، وخاصة المصافي المستقلة التي استأنفت عملياتها بعد انتهاء الصيانات السنوية. كما دخلت وحدات تكرير جديدة الخدمة خلال العام الجاري، وهو ما خلق طلباً إضافياً على الخام عالي الجودة لتلبية احتياجات السوق المحلية من الديزل والبنزين والمنتجات البتروكيماوية. وتُعد الصادرات السعودية الخيار الأمثل لهذه المصافي بفضل خصائصها الفنية المتوافقة مع خطوط التكرير.
تعزيز الاحتياطيات الاستراتيجية
تستخدم بكين فترات انخفاض الأسعار عادة لتعزيز احتياطياتها النفطية، ويظهر ذلك أيضاً في سياق زيادة واردات الصين من النفط السعودي. فشراء الخام بأسعار مواتية يتيح للصين بناء مخزون استراتيجي يساعدها على مواجهة أي اضطرابات مستقبلية، سواء كانت تتعلق بأزمات سياسية أو تذبذبات حادة في السوق العالمية. كما يمنحها هذا المخزون قوة تفاوضية أكبر مع الموردين الدوليين.
جودة الخام السعودي وتوافقه مع المصافي
تمثل خصائص خام المملكة عاملاً إضافياً يدعم زيادة واردات الصين من النفط السعودي، إذ يتمتع الخام بنوعية تسمح للمصافي الصينية باستخلاص منتجات نهائية بكفاءة أعلى مقارنة ببعض الخامات المنافسة. وتعتبر شركات التكرير الصينية هذا العامل ميزة تقنية مهمة ترفع من جدوى شراء النفط السعودي على حساب بدائل أخرى.
توقعات
تشير المؤشرات الحالية إلى أن زيادة واردات الصين من النفط السعودي ستستمر في المرحلة المقبلة، مدفوعة بالتحالفات التجارية المتنامية بين البلدين، وبالرغبة الصينية في تنويع مصادر الإمداد ورفع مستويات الإنتاج التكريري. ومن المتوقع أن تلعب الأسعار العالمية ومستويات الطلب المحلي دوراً محورياً في تحديد وتيرة الزيادة خلال الأشهر المقبلة.