أكد مختصون وأكاديميون أن اللغة العربية تمثل ركيزة الهوية الدينية والتاريخية والثقافية والحضارية للأمة، ووعاء ذاكرتها الجمعية وأداة الفهم والتفكير والإبداع، مشددين على أنها تتجاوز كونها وسيلة تواصل لتصبح رمزا للوجود الحضاري.
وأشاروا بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف اليوم 18 كانون الأول، إلى أن مكانتها العالمية واعتمادها لغة رسمية في الأمم المتحدة يعكسان دورها الممتد في الماضي والحاضر والمستقبل، لاسيما لارتباطها الوثيق بالقرآن الكريم الذي حفظ لها وحدتها واستمراريتها في الوجدان الإنساني.
وبينوا أن التحديات الراهنة، وفي مقدمتها هيمنة العامية وضعف حضور الفصحى في التعليم والإعلام والتواصل الاجتماعي، تستدعي جهدا وطنيا شاملا لحمايتها، مؤكدين قدرتها بخصائصها المعجمية والصرفية على استيعاب مفاهيم العلم والذكاء الاصطناعي، بما يمثل قيمة حضارية واقتصادية ومسؤولية مشتركة تتطلب تطبيق التشريعات الناظمة وتعزيز دور المؤسسات لضمان بقائها لغة للنهضة.
وقال نائب رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور إبراهيم بدران، إن إقرار "اليونسكو" لهذا اليوم العالمي يأتي تقديرا لمكانة العربية المرموقة عالميا، لافتا إلى أنها إحدى اللغات الرسمية المعتمدة في الأمم المتحدة التي تحرص على ترجمة جميع إصداراتها إليها.
وأضاف إن العربية تعد بالنسبة للأردن آلية جوهرية للربط مع الأقطار العربية الشقيقة عبر الأدب والفكر والتراث، فضلا عن قدسيتها كلغة للقرآن الكريم.
وأشار إلى تطور دور اللغة وتداخلها مع تفاصيل الحياة اليومية في عصر العلم والرقميات، مشددا على أنها السبيل الوحيد للمواطن للتعامل مع مفردات العصر والتعلم الذاتي والإبداع.
وأوضح أن اللغة العربية السليمة باتت ضرورة مجتمعية لفهم تعليمات الآلات والأدوية والمناهج الدراسية، ما يمنحها قيمة اقتصادية تقدر بمئات الملايين من الدنانير سنويا، مؤكدا أن إتقان الأجيال الناشئة لها هو استثمار في المسيرة المجتمعية، ما يستدعي جعل الاهتمام بها ظاهرة وطنية عامة تفعيلا لـ "قانون حماية اللغة العربية".
وحذر من ضعف اللغة لدى الشباب جراء استهانة البعض بدورها الحضاري وتأثير وسائل التواصل، داعيا المؤسسات والبيوت إلى وضع برامج سنوية لتحسين اللغة واعتبار اليوم العالمي إضافة نوعية للتمكين الوطني.
من جهته، أكد عضو مجمع اللغة العربية الدكتور زياد الزعبي، أن العربية هي ذاكرة الأمة، وأن ضياعها يعني التيه وفقدان العمق التاريخي.
وبين أن الازدواجية اللغوية بين الفصحى والعامية لا تشكل خطرا بحد ذاتها، إلا أن المشكلة تكمن في إقصاء الفصحى عن التعليم والخطاب الإعلامي، واصفا ذلك بالقطيعة المعرفية التي تؤدي إلى التشظي اللغوي والهوياتي.
ودعا إلى التحرر من كتابة الأسماء بالحروف اللاتينية، معتبرا إياها حالة من "الاستلاب اللغوي"، مؤكدا أن الحرف العربي يمتلك جماليات هندسية باذخة.
وشدد على ضرورة تطبيق قانون اللغة العربية من قبل أصحاب القرار، لافتا إلى أن العربية تخوض صراعا بين التبعية الاستعمارية والاستقلال اللغوي، وأن تمكينها شرط أساسي لأي تقدم علمي وحداثة حقيقية تبنى على التاريخ.
بدوره، اعتبر أستاذ اللغة العربية الدكتور أحمد عبد السلام، أن اللغة العربية وعاء الوجود ومرآة الروح الجماعية، مشيرا إلى أن تراكيبها واشتقاقاتها تتجلى فيها عبقرية الفكر والدقة.
وأكد أنها لغة تتحدى قانون الزوال بجذورها الراسخة ومرونتها في احتضان مستجدات العصر، لافتا إلى أن حفظ الله للقرآن الكريم جعل اللغة العربية محفوظة ومستقرة في عقول محبيها كنسيج حي يروي قصة إنسان لا تنتهي.
من جانبه، قال الأستاذ في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور عاصم الحنيطي، إن الاحتفاء بهذا اليوم هو تجديد للعهد مع لغة حملت رسالة إنسانية وحضارية، ودعوة للتأمل في واقعها واستشراف مستقبلها كأكثر اللغات الحية حضورا.
وأوضح أن سعتها المعجمية ومرونتها الصرفية مكنتها من التكيف مع مختلف العلوم من طب وفلك وفلسفة، ولفت إلى أن الارتباط بالقرآن الكريم منحها قداسة خاصة، مستشهدا بقوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
وأكد أن البلقاء التطبيقية ومن خلال كلية عجلون الجامعية، دأبت على تعزيز هذه الثوابت إيمانا بأن العربية هي الهوية الجامعة التي توحد اللسان وتقوم البنان، بوصفها جزءا أصيلا من المشروع الحضاري والإنساني للأمة.