من السهل جداً أن تعرف وتكتشف هموم الناس وأوجاعهم وماذا يدور في خُلدِهم، فهم أكثر شفافية من أية جهة، ويملكون من الصراحة ما يفيض عن حاجتهم خصوصاً في هذه الأوقات، فهي مسألة ليست معقدة ولا تحتاج إلى جهد أو تحليل أو فك شيفرات، وبالأحرى تكتشف أوجاعك التي لا تُدركها أو قد تتناساها، فالكل يعاني؛ ولكن الاختلاف فقط في مستوى وعمق المعاناة.
فالحاجات الأساسية المعيشية لحياة إنسان ما من مأكل وملبس وتعليم وصحة وماء وكهرباء وأحياناً سجائر ووقود، تعد بحدها الأدنى متطلباً لحياة كريمة، أغلب الجلسات في كثير من المناطق إن لم تكن جميعها تتكلم لغة واحدة هي المعاناة، قلة من يتكلمون خارج هذا الإطار، فقد انتهى زمن الحديث عن الرفاه والأُمنيات، فلا متسع للأحلام.
بالأمس القريب، كان الجميع يتكلم لغة تتجاوز توفير الاحتياجات الأساسية وأبعد من الضروريات، لحد التباهي أحياناً، وتفاؤل جمعي واضح، فليست هنالك مشكلة العوز، كل شيء ممكن توفيره بسهولة بلا قلق أو بحث عن مصدر تمويل، فجميع المسارب مفتوحة لتغطية ما هو أعلى من الأساسيات .
ففي حديثهم باختلاف مستويات معيشتهم ومناطقهم يتكلمون وبشراهة عن تغير مركبة أو أثاث منزل أو عن الشقق ومساحتها وعن المدراس وجودتها، وعن شغفهم بالسفر أحياناً.
على سبيل المثال، عادة في العيد الحديث الأوسع دائماً يكون عن الأضحية -كل على موعد مع أضحيته -وتزخر الجلسات بالحديث عنها وعن أسعارها ومواقع بيعها والأنسب منها، ويرافق ذلك التحضيرات النفسية والشعائر الدينية، فالكل يتكلم بفخر عن قدرته على شرائها مهما كان ثمنها تقرباً إلى الله تعالى.
لكن الأحوال تغيرت اليوم، فما لديهم لا يكفي لمهر الأضحية، فلا يسألون كثيراً عن مكان بيعها، أو عن الخيارات المتوفرة منها، ولا تجد من هذا الحديث إلا القليل، فالغالبية يبحثون ومشغولون بالأساسيات رغماً عنهم ، يرددون الستيرة أهم شيء.
فالكل كان يعيش وفق ميزانيته، وبعجز يمكن تأمينه من عدة مصادر أهمها الاقتراض، أو حوالة زائدة عن الحاجة من مكان ما، أما الآن عجز وفقر مدقع وضباب، فلا الموازنة تكفي، ولا قدرة على الاقتراض، ولا مصادر أخرى متوفرة للتمويل، ولم يبق هنالك شيء يُرهن أو يُباع.
وأصبحنا بلا أمل غير البقاء على قيد الحياة وتأمين الضروريات، نتقاسم الفقر والكرامة.... لا الثراء .