.. وصلتني الرسالة التالية من مخيم الزعتري.. وهذا نصها:
الأخ عبدالهادي راجي
تحية وبعد :-
أنا لاجئ أقطن الزعتري, ولي شقيق سوري يقطن على مقربة من غازي عنتاب في تركيا, وهو معلم مدرسة, نتراسل عبر (الواتس أب) وقد أخبرني أمس أنه يوجد في تركيا (15) ألف معلم سوري.. وقد اتخذت السلطات التركية مؤخرا قرارا يقضي بدمج الطلبة السوريين مع الأتراك في المدارس, ومنع تخصيص معلم سوري لهم.. هذا يعني أن (15) ألف معلم سوري في تركيا, أصبحوا الان في مستقبل ومصير مجهولين.
تقول السلطات التركية, إن رواتب هؤلاء تأتي من المساعدات, وإذا توقفت المساعدات الدولية لـ اللاجئين, فعليهم أن يبحثوا عن مصدر رزق اخر.
أخي العزيز..
أنا لاجئ, ووطني محطم.. ويحتاج إلى (500) مليار لإعادة إعماره, وعودتي صارت صعبة.. فالحي الذي أقطن فيه بالغوطة الشرقية لدمشق تهدم تماما, والأحلام قصفت.. وجزء كبير من أفراد عائلتي استشهد, والآخر هجر.. ولا ندري شيئاً عن المستقبل, لا نعرف المصير المنتظر, ولا حتى الموت كيف سيكون, وهل سندفن في مقابر غريبة, أم نعود إلى وطننا الحبيب جثثا تبحث عن قبر بسيط دون شاهد.
أخي العزيز..
اتابع إضراباتكم, وأتابع غضب الشارع.. وأنتم ربما لا تدركون أن الأمن أهم من الخبز والراتب, ورغد العيش.. أمن الناس والأوطان أهم من العيون ذاتها, وكم تمنيت لو أني ولدت بلا بصر.. كي لا أرى ما حل بسوريا, أعرف أنك الآن قد تضحك على كلامي, لكن النعمة لا تشعر بقيمتها إلا حين تفقدها.. ونحن للأسف فقدناها.
لولا الأمن في بلادكم, لما انتصب لي مخيم يؤوي عائلتي, ويطعمني الخبز, ويؤمن لي ما تيسر من علاج.. ولولا الأمن في بلادكم لما تجرأت على حمل هاتفي, وإرسال تلك الرسالة لك.
أخبر المعلم.. بأن عليه قبل أن يرفع العلم في الصباح وهو مضرب, أن يتذكر سوريا.. ويتذكر العراق, يتذكر ليبيا واليمن.. ويسأل نفسه وهو ينشد بلاد العرب أوطاني: هل بلاد العرب هي أوطان لي حقا.. كما يقول النشيد؟
لم تعد بلاد العرب وطنا كما كانت, فهي حروب وأشلاء ونفي وتشريد.. لا أريد أن أطيل.. لكن أختم بالقول: لديكم وطن أشهى من الشهد, فلا تقضوا مضاجعه, ولا تقدحوا الشرر بالقرب من مواقده, لن تعرفوا النعمة التي تعيشونها..
فأنتم لم تجربوا خيمتي التي تحمل شعار الأمم المتحدة, ولم تشاهدوا كوابيسي التي تداهمني كل يوم, فأنا أخاف أن أموت وأدفن في مقبرة لـ اللاجئين وبدون اسم أو عنوان.. حين غادرت وطني فقدت الاسم والعنوان..