عمان- تنزلق نقابة المعلمين رويدا رويدا إلى متاهات ودهاليز لا تدرك ما وراءها.. فلم يعد خطابها الإعلامي يقتصر على المهنة، أو ينحسر في العلاوة التي طالبت بها بداية، ثم تراجعت عنها إلى مطالبة الحكومة، بمجرد الاعتراف بها، مع الاعتذار عما جرى قبل نحو ثلاثة اسابيع (يوم الخميس).
فلغة قيادة النقابة تزداد خشونة، تحذيرا ووعيدا وشتما، بعيدا عن اللغة المهنية أو حتى اللغة السياسية الراقية التي تليق بالنقابة، برغم أنها سجلت تراجعا تكتيكيا في مطالبها، التي لم تعد الـ”50 % الآن الآن وليس غدا”.
ربما أخذت النشوة قيادة النقابة، في لحظة لقائها بالمعلمين في الميدان، إلى غوغائية مفرطة تداعب بها سيكولوجيا المعلمين المتعطشة لنيل حقوق قديمة آن أوانها.
الحكومة، التي لم تكن تتوقع بأن يطول أمد الإضراب إلى هذا الحد، اعترفت، منذ اليوم الأول، بحق المعلمين في المطالبة بحقوقهم لتحسين معيشتهم، بل وتستحق الزيادة، لكنها تختلف مع النقابة في الإصرار على آلية الزيادة، فكان السجال بين نسبة الـ50 % أو المسار المهني، لكن الحكومة تراجعت، فيما تمترست النقابة على موقفها المطالب بنسبة محددة في وقت محدد، وكأن النقابة بذلك أصبحت تحاور ندا تسعى لإرغامه على القبول بشروط في لحظة مالية غير مواتية، وهي قراءة خاطئة، فالمعلمون المضربون، هم أبناء القطاع العام، ومن رحمه، والعذر المالي للحكومة مبرر أب لابنه لإمهاله لا إهماله، وهو مبرر يمكن الأخذ به في ظل ظروف إقليمية وعالمية ضاغطة، وفي نهاية عام مالي، والنقابة تدرك ذلك ضمنيا، فالنقابة لم تأت من القمر!.
بل إن الحكومة، منذ البداية، سمحت لوسطاء للتدخل بحل الأزمة، لكن محاولاتهم لم تكلل بالنجاح، وقدمت لاحقا مبادرات، كان يمكن التعديل عليها من النقابة، لكنها قوبلت بالتمنع والرفض؛ بحيث قدمت الحكومة مقترحا يحسن الوضع المعيشي للمعلمين بدءا من مطلع 2020 (أي بعد 3 أشهر)، ثم في مبادرة أخرى تنازلت عن المسار المهني، كما دعت إلى حوار مفتوح خال من الشروط، يجري خلاله التوافق على نص اتفاقية شاملة، تطرح خلالها كل الملفات، لكن النقابة لم تلتقط أي من هذه المبادرات، وكأنها استعذبت رفض المبادرات الحكومية وصدها، علما بأنها لم تمهل نفسها ولو لدقائق للتحديق في أي مبادرة للبناء عليها، بل كاد ردها بالرفض يسبق الاقتراح الحكومي، وأعلنت النقابة برنامجها لمدة أسبوع لتطوف به المحافظات.
الخطاب الإعلامي للحكومة؛ برغم كل ذلك، اتسم بالنعومة والهدوء تجاه المعلمين، وقد عكفت على بلورة عرض يرتكز على زيادة العلاوات في نظام الرتب، لكن النقابة رفضته سريعا وبلا تردد، في حين كان يجب عليها التريث قليلا، وطلب تعديلات عليه كليا أو جزئيا، إن تطلب ذلك، فالمقترحات والعروض الحكومية ليست نصا مقدسا يؤخذ به كليا أو يرفض كليا.
يمكن التماس العذر للنقابة في سلوكها غير المرن، بتجربتها المحدودة في العمل النقابي، فعمرها لا يزيد على سنوات، لكن ذلك الالتماس لن يدوم طويلا، في ظل خروجها عن الحدود النقابية وجغرافيا المهنة، دون أن تدرك ذلك، ما حتم عليها قراءة دروس التاريخ لتتمكن من الولوج إلى المستقبل بأمان.
فضعف التجربة النقابية ربما يودي بالنقابة الغضة إلى نهايات غامضة أو كارثية، إذ أن شرعية صندوق الاقتراع لا تكفي، وحدها، للاستبداد بالشارع أو الاستقواء، فهتلر أتى به صندوق الاقتراع، ولكنه كتب نهايته المأساوية بمسدسه.
النقابة مطالبة بوقف الإضراب، طالما أنها تجلس مع الحكومة في حوارات، وإن كانت متقطعة، لأن تجميد المنظومة التعليمية، والحياة العامة، لا يمكن ارتهانه بنقابة، ومتوالية قضايا مطلبية نقابية قد لا تنتهي، وقد تتكرر العام المقبل، بل قد تستنسخ لاحقا من نقابات أخرى، عندئذ تكون الفوضى.
على الحكومة والنقابة أن يتنبها لعقارب الساعة ورزنامة العام الدراسي الذي تساقطت منه 3 أسابيع، ولم يبق إلا 25 أسبوعا دراسيا.. والتفكير بآلية التعويض، فالوقت سيّاف، وساعة الرمل لم يعد فيها الكثير سواء لعمر الحكومة أو للعام الدراسي.