بصدور الإرادة الملكية السامية باختيار ثلة من الشخصيات الوطنية المميزة لحمل أمانة المسؤولية في تعزيز منظومة الفساد ومكافحة الفساد ومعالجة الاختلالات في ثقافة نبذ الفساد واعتبار مراقبة نمو الثروة معياراً أخلاقياً للنزاهة الوطنية بعيداً عن عفن المزاوجة بين السلطة ورأس المال، وهي خطوة شجاعة من رئيس الوزراء أن يعيد انعاش مجلس الهيئة بخبرات وطنية بعد الخطوة الأولى والمتمثلة في تعديل قانون الكسب غير المشروع بما يضمن مراقبة نمو الثروة رغم الشدّ العكسي الذي مورس حينها لاحباط مرور هذا القانون.
والحقيقة التي تتطلب الاعتراف أنني لم أكن متحمساً كثيراً لرئيس الهيئة عند تعيينه في المجلس السابق، وربما أكون قد همست في إذن رئيس الوزراء -وقتذاك- محرضاً على عدم تعيينة، ولكن بعد ذلك تكّشف لي نبل الرجل، وحرصه، وقدرته الاستثنائية على إدارة الملف برؤية وطنية صادقة، واثقة وشجاعه وامانة، بل استطاع ان يقود التعديلات على قانون الهيئة بثبات وحرص واستقلالية، وجمّد العمل بالإستراتيجية المهترئة وخلق جواً معقولاً في أداء الهيئة بمساعدة زملائه الذين يستحقون الإشادة والثناء، والأهم الانحياز لسيادة القانون، والموضوعية والحكمة، والمهارة في إدارة أعمال التحقيق الخاص والنزاهة والوقاية، والتعاون الدولي وانفاذ القانون.
في ظني أن مهمة المجلس ما زالت ماثلة لتحريض الحكومة ومجلس النواب على المزيد من التعديلات التشريعية وفي مقدمتها المضي قدماً في تعديل اخر لقانون الكسب غير المشروع؛ كي يعطي الشعب ومؤسساته بوضوح مراقبة جيوب كل من يتصدى للموقع العام من الفقراء والأغنياء على حدٍ سواء، فأسوأ أنواع الفساد الذي ارهق كاهل الدولة الاردنية هو ذلك الذي ارتدى ثوب الفضيلة، ومهمة المجلس القادمة يجب أن تركّز على تأهيل المحققين وفق المعايير الدولية، واختلاق أساليب ومضامين جديدة للتحقيق في قضايا الفساد، وضرورة الإدراك أن هذه المؤسسة الوطنية هي من القلاع الرىًيسة والمهمة للثقة الشعبية.
الأزمة الأخيرة التي كشفت شقوقاً في بنية الدولة أشارت بوصلتها إلى المهمة التي يتوجب أن تنهض بها هيئة النزاهة ومكافحة الفساد لمعالجة التشوهات في الثقة العامة والرضى الشعبي من خلال المراقبة الحقيقية لنمو الثروة، وتقديم إجابة معقولة لكل الأسئلة المشروعة، والأهم ضرورة التعاون الحقيقي مع المؤسسات الرقابية الأخرى والجهات التي تملك المعلومة اللازمة لتعزيز منظومة النزاهة ومكافحة الفساد، وبما لا يؤثر على الالتزام بالمعايير الدولية الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
إستراتيجية جديدة، تحقيق محترف، رصد للتشريعات الملغمة بالفساد وتعديلها، تكامل أدوار المؤسسات الرقابية، مراقبة نمو الثروة، تكامل أدوار ضباط الامتثال والرقابة الداخلية، استهداف المشاريع الكبيرة بالرقابة النوعية، تعزيز الثقة الشعبية بالمؤسسات التي تتعامل مع الجمهور، تقديم قضية مدعمة بالأدلة للقضاء، ونظام مرن للموظفين، استجلاب فنيين وخبراء مستقلين،كل هذه هي عناوين لمهمة وطنية للمجلس الجديد ومباركين لهم ثقة سيد البلاد وعميد الدار حفظه الله ورعاه.